الجزائر.. 2020​​​..عام كل الصعوبات

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 31 ديسمبر 2020ء) بعد عام من حراك شعبي غير مسبوق، تجاذبات سياسية كبيرة، اعتقالات ومحاكمات بالجملة في صفوف مسؤولين كبار وكذا مناضلين ومعارضين، فاز عبد المجيد تبون برئاسيات 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وسط مقاطعة جزء معتبر من الشعب الجزائري، لتدخل الجزائر عام 2020 بتحديات كبرى، ورؤى سياسية متباينة، وأزمة اقتصادية فاقمها فيروس كورونا الذي خلط أوراق الجميع.

انطلقت السنة السياسية الجزائرية بإعلان الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية محمد أوسعيد عن تشكيلة حكومة عبد العزيز جراد ( جراد عين نهاية سنة 2019)، في الثاني من يناير/ كانون الثاني، في نفس يوم الإفراج عن أكثر من 70 معتقلاً من معتقلي الحراك الشعبي دفعة واحدة، وتميزت بداية السنة، بلقاءات عديدة جمعت شخصيات سياسية مختلفة بما فيها المحسوبة على المعارضة برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد أكثر من مرة أن " يده ممدودة للحراك".

أول حالة كورونا..وتوقف الحراك

أعلنت الجزائر عن تسجيل أول حالة كورونا في 25 فبراير/ شباط، لتبدأ التأثيرات السياسية للفيروس في الظهور قبل التبعات الاقتصادية والاجتماعية، حيث وبعد نقاشات طويلة بين الحراكيين وخلافات حادة عرفت الجزائر آخر مسيرة للحراك الشعبي (رغم بعض المسيرات المتفرقة التي عرفتها البلاد طوال العام) يوم 13 مارس/آذار الماضي، بعد أكثر من عام من المسيرات الأسبوعية السلمية دون توقف في حدث غير مسبوق في الجزائر.

وعرف شهر مارس كذلك إيداع الصحفي الجزائري خالد درارني الحبس المؤقت بعد اعتقاله أثناء تغطيتيه لأحد المسيرات، ثم الحكم عليه ابتدائيا بثلاثة سنوات حبس نافذ، قبل أن تُقلص العقوبة إلى عامين حبس نافذ في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، ما أثار موجة من التنديد داخليا وخارجيا، كما تواصلت طوال العام عمليات اعتقال، تبرئة، وإدانة وكذا إفراجات مؤقتة للعديد من النشطاء.

كورونا 100 ألف حالة وأشهر من الحجر

واجهت الجزائر انتشار فيروس كورونا بإجراءات عديدة، حيث أغلقت المدارس، وتم تعليق النقل برا وجوا وبحرا في 12 مارس/ آذار، وأوقفت جميع الأنشطة الرياضية، لتبدأ بعدها أشهرٌ طويلة من الحجر الكلي والجزئي، الذي عمدت الحكومة إلى تغيير مواقيته وشدته حسب عدد الإصابات المسجلة يوميا، والتي تراوحت من 100 إلى 1000 في ذروة الوباء لتستقر مؤخرا على أكثر من 400 حالة في اليوم الواحد، حيث ناهزت المائة ألف إصابة نهاية عام 2020 مع تسجيل قرابة 3000 وفاة بسبب الجائحة.

وأظهرت جائحة كورونا عدم جاهزية القطاع الصحي الجزائري لمواجهة تحديات بهذا الحجم، رغم المجهودات الجبارة التي قام بها الأطباء وكل العاملين في قطاع الصحة، ولعل قلة وغلاء كشوفات كورونا، ونقص الأسرة وأجهزة التنفس كانت أبرز المشاكل التي وجدها عمال القطاع الصحي خلال عام من المواجهة المتواصلة مع فيروس كورونا، في حين كان التزام المواطنين بإجراءات التباعد والوقاية متباينا وفي بعض الأحيان غائبا.

وأجرت السلطات الجزائرية مفاوضات مطولة مع المخابر الروسية، الصينية، والأمريكية والبريطانية قصد الحصول على الجرعات اللازمة من اللقاح المضاد لفيروس كوورنا، والذي سيشرع في توزيعه مجانيا واختياريا على المواطنين بداية من يناير المقبل، واستقرت السلطات الجزائرية ساعات قبل نهاية العام على الشروع في اقتناء كميات من لقاح سبوتنيك v.

تعديل الدستور..مشاركة ضعيفة ووثيقة تنتظر الإصدار

وفي الشق السياسي الداخلي، كانت سنة 2020 هادئة مقارنة بسابقتها، حيث نظمت السلطات استفتاء للمصادقة على مشروع تعديل الدستور في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، كأحد أهم الوعود الانتخابية للرئيس عبد المجيد تبون، استفتاءٌ عرف مشاركة ضعيفة بلغت حسب النتائج المعلن عنها من طرف المجلس الدستوري، 23.84 بالمائة، وصوت 66.80 بالمائة من المشاركين في الاستفتاء بنعم على التعديلات المقترحة التي كان من أبرزها إرسال وحدات من الجيش، إلى الخارج بعد مصادقة البرلمان بأغلبية الثلثين 3/2 من أعضائه، وأثارت نسبة المشاركة المتدنية نقاشا وطنيا واسعا، حيث وصفت أحزاب المعارض�

� عزوف الناخبين برفضٍ للمشروع، فيما ركزت أحزاب الموالاة على مصداقية الأرقام حسبها وغياب أي تزوير في نسب التصويت، ما يعني حسب هذه الأحزاب "خطوة أولى لكسب ثقة الشعب، وقطع مع الممارسات السابقة"، بعد حراك شعبي ظهر فيه مدى انعدام الثقة بين الحاكم و المحكوم.

ولن يكون الدستور المعدل نافذا، إلا بعد إصداره من طرف رئيس الجمهورية، الشيء الذي تأخر بعد نقل تبون إلى ألمانيا في 28 أكتوبر/ تشرين الأول للعلاج من فيروس كورونا، ومن المرجح أن يصدر الرئيس الجزائري الدستور المعدل قريباً، بعد عودته أمس 30 ديسمبر/ كانون الأول إلى البلاد، وسبق أن فندت رئاسة الجمهورية في حديث مع وكالة سبوتنيك الأنباء التي تحدثت عن تدهور حالة الرئيس بعد الصمت الذي ميز المعالجة الرسمية لمرض الرئيس، الشيء الذي ترك الباب مفتوحا للإشاعات.

محاكمات ماراثونية.

وعرفت سنة 2020 عشرات المحاكمات؛ التي تناوب فيها وزراء ومسؤولون نافذون مدنيون وعسكريون، ورجال أعمال في عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة على كشف أرقام فساد وتسهيلات مرعبة، وخلصت تلك المحكمات لإدانات واسعة في صفوف المحيط الأول لبوتفليقة، حيث بلغ عدد الوزراء السابقين المتابعين قضائيا أكثر من 30 وزيراً، وبالمقابل خرج بعض رجال الأعمال والسياسيين السابقين من السجن بعد تخفيف أحكامهم واستنفاذها وعلى رأسهم أغنى رجل أعمال في الجزائر إسعد ربراب الذي غادر السجن في الساعات الأولى من فجر الفاتح من يناير 2020، كما غادر مجموعة من الحراكيين (نسبة للح

راك الشعبي) سجون البلاد بعد استنفاذ عقوباتهم، أو تقليصها فيما يتواجد حاليا حسب المنظمات الحقوقية أكثر من 90 معتقلاً في السجون بتهم عديدة تتعلق أغلبها؛ بالمساس بالوحدة الوطنية، إهانة هيئة نظامية، التحريض على التجمهر غير المسلح وغيرها.

ودائما في الشق القضائي قبلت المحكمة العليا بالجزائر العاصمة، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الطعن بالنقض المقدم من طرف دفاع المتهمين في القضية المعروفة إعلاميا بقضية" التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة" والتي توبع وأدين فيها السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق والقائدين السابقين للمخابرات وزعيمة حزب العمال لويزة حنون بـ 15 سنة سجن نافذ من طرف القضاء العسكري الذي أكد الأحكام في الاستئناف للجميع عدا حنون التي غادرت السجن، ما يجعل تاريخ ومخرجات جلسة الإعادة أحد أهم المواعيد القضائية المنتظرة في العام الجديد نظرا لثقل أسماء

وفي القضاء العسكري دائما، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية في 11 أغسطس/ آب الماضي، عن إيداع قيادات عسكرية سابقة الحبس المؤقت، وإصدار أمر بالقبض ضد قائد الدرك الوطني السابق الغالي بلقصير بتهمة الخيانة العظمى، كما أدين مدير الأمن الداخلي السابق واسيني بوعزة، بثمان سنوات حبس نافذ في يونيو/ حزيران الماضي، بتهمة التزوير واستعمال مزور.

عرفت الجزائر، تراجعا في المداخيل بالعملة الصعبة في قطاع المحروقات، الذي يمثل مصدر الدخل الأساسي للخزينة، حسب الأرقام التي قدمتها وزارة الطاقة، حيث من المنتظر أن يسجل الإنتاج من المحروقات نهاية2020 انخفاضا بنسبة 8 بالمئة مقارنة بسنة 2019، وتصل قيمة هذه الصادرات بما فيها المواد البتروكيماوية 22 مليار دولار أي تراجعا بنسبة 33 بالمئة مقارنة بمداخيل سنة 2019 والتي قدرت بحوالي 33 مليار دولار.

الجزائر ترفض التطبيع

ومن أبرز المحطات السياسية التي عرفتها البلاد سنة 2020 على الصعيد الدولي، كانت موقف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حيال تطبيع بعض البلدان العربية لعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، حيث صرح في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي أن "الجزائر لن تشارك ولن تبارك في الهرولة نحو التطبيع، وأن القضية الفلسطينية مقدسة"، توجهٌ أكدت عليه الجزائر في تصريحات للوزير الأول عبد العزيز جراد أياما بعد إعلان المملكة المغربية عن تطبيع علاقاتها مع دولة إسرائيل مؤكدا "هناك الآن إرادة حقيقية لوصول الكيان الإسرائيلي والصهيوني قرب حدودنا"، وأيدت العديد من الأحزاب السياسية في ا�

�بلاد موقف السلطة الرافض للتطبيع سواء من المعارضة أو الموالاة.

وإقليميا، عرفت سنة 2020 نوعا من التأزم في العلاقات بين الجزائر والمغرب، حيث تعتبر الجزائر قضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار، وعبرت خارجية البلاد في أكثر من مرة عن رفضها لخرق القوانين الدولية وتنصيب "السفارات في الأراضي المحتلة"، كما احتجت الجزائر بقوة بعد التصريحات الصادرة من قنصل المغرب في وهران الذي وصف الجزائر بالبلد العدو، لتعلن الرئاسة في التاسع من يونيو/ جوان الماضي عن مغادرة المعني للبلاد واصفةً إياه "بضابط المخابرات المغربية".

ورفضت الجزائر تواصل التدخلات الأجنبية في ليبيا، وأكدت أكثر من مرة استعدادها لاحتضان نقاش ليبي -ليبي دون أي خلفيات أو طمع في ثروات البلد الشقيق، كما سجلت الجزائر ذات الموقف في الأزمة المالية، وعرفت البلاد عكس السنوات الماضية زيارات مكثفة لرؤساء ووزراء خارجية بلدان كثيرة لمناقشة مختلف القضايا الإقليمية.

وستعرف الجزائر محطات سياسية مرتقبة سنة 2021، أبرزها الانتخابات التشريعية والمحلية، فيما تبقى الصعوبات الاقتصادية أمام تقلبات سوق النفط، وتبعات فيروس كورونا، وكيفية تسيير عملية تلقيح المواطنين، مواعيد ستجعل من سنة 2021 سنة صعبة، يتمناها الجميع أخف من سنة 2020.