السودان.. "الكابلي" ظاهرة فنية وابداعية اخترقت حدود بلاده لأكثر من نصف قرن

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 13 سبتمبر 2021ء) محمد الفاتح. يتابع ملايين السودانيين، ببالغ القلق والاهتمام الوضع الصحي، للفنان عبد الكريم عبد العزيز الكابلي وهو راقد الفراش بإحدى المستشفيات الأميركية منذ أكثر من شهر.

الكابلي حسب آراء الموسيقيين قد شنف آذان السودانيين والمحيط العربي، كما يعتبر الكالي، ظاهرة فنية في سماء الفن السوداني وخصوصا في الوسط الفني للدول العربية والأوروبية، وذلك لتميزه وإبداعه المتفرد فهو الذي طوع آلة العود، وعزف أبرع الألحان والقصائد التي لا تخطر على بال فنان بأنه يمكن تلحينها.

ويقول العديد من الموسيقيين والشعراء السودانيين، أن موهبة وقدرات التي يمتلكها الفنان السوداني عبد الكريم عبد العزيز الكابلي، من الصعوبة تكرارها في السودان، في ظل التدهور المريع والمخيف في الأغاني والأشعار التي انتشرت في البلاد خلال 10 السنوات الماضية، الكابلي الذي تغني بأشهر شعراء العرب، أمثال: ابو فراس الحمداني واحمد شوقي والخليفة الأموي يزيد من معاوية بجانب العديد من الشعراء السودانيين الكبار.

وفي حديث خاص لوكالة "سبوتنيك"، يقول سعد عبد الكريم عبد العزيز الكابلي، عن سيرة أبيه، إنه" ولِد في مدينة "بورتسودان" الساحلية، شمال شرق السودان في "1932، مضيفا أن" جذور عائلة والده (الكريم الكابلي) ، تعود في الأصل إلى مدينة كابل الأفغانية" ، كما أشار سعد إلى أن" الكابلي، تزوج بمدينة "القلابات"، بشرق البلاد على (صفية ابنة الشريف أحمد محمد نور زروق)، وتعود أصول والدته من اسر الاشراف في مدينة (مكة) السعودية، وقد هاجرت عائلة والدته إلى المغرب ثم جاؤوا إلى السودان لنشر الدعوة الإسلامية"، لافتا إلى أن" الكابلي نشأ وشبَّ في مرتع صباه ما بين مدن بورتسودان وس

واكن وطوكر والقلابات والقضارف والجزيرة خصوصا في منطقة أبوقوتة وكسلا".

وفي إيضاح اكثر عن موهبة المطرب عبد الكريم الكابلي، قالت الإعلامية، هبه مكاوي، لوكالة "سبوتنيك"، "كانت بداية الكابلي من خلال إلقاء الأناشيد المدرسية في صغره، ثم اتضحت موهبته أثناء تغنيه لقصائد مثل:(أمطرت لؤلؤا من نرجس"، لمؤلفها الخليفة الأموي، يزيد بن معاوية، وأيضا للشاعر، (فراس الحمداني، في قصيدة، (أراك عصي الدمع شيمتك الصبر )"، وأضافت مكاوي" ومن تلك الأغاني لشعراء العرب، أثبت الكابلي، عبقرتيه في التلحين، ابدع الكابلي في تلحين أغاني التراث السوداني حين تغني ل(سناء بنت المك) في قصيدة (كللي يا سحب تيجان الربا)، فأبدع في تلحينها، وتمددت سلسلته

الفنية في التلحين حينما لحن أميز الشعراء العرب أمثال محمود عباس العقاد، تغني له بقصيدته (هذا بشير الزمان)، وكذلك تغني للشاعر التونسي أحمد شوقي في قصيدة (صداح يا ملك الكنار)".

ومن جانبه، تحدث الشاعر السوداني المعروف، الأستاذ عبد الوهاب هلاوي، لوكالة "سبوتنيك، حيث كان السؤال عن الدور الكبير الذي لعبه المطرب الكابلي في إعادة القصيدة الفصحى في الغناء السوداني فقال "يعد الفنان عبد الكريم الكابلي من أبرز الذين تغنوا بالعربية الفصحى من المحيط إلى الخليج على نحو ادهش الناس مما شكل إضافة نوعية الغناء في الوطن العربي إذا تجاوزنا أغنيات الست ام كلثوم مثلا وقد جعل الكابلي من القصيدة الفصيحة أغنية محببة ومفضلة تتصل بالناس في سلاسة ويسر فاق العامية في مجمل أغنياته، إعانته عليها ثقافته العالية، وقدرته على الأداء السليم عل�

� ذلك، وهذا ما لا يمكن أن يتأتى لكل مغن مهما كانت مكانته وشعبيته".

ويرى هلاوي أنّ بيئة الكابلي ، كانت لها دور كبير في الأغاني التقليدية والمسادير والتراث والشعر العربي القديمة، لافتا "بلا أدنى شك، يعد الفنان عبدالكريم الكابلي، من أعظم العاملين بقضايا الثقافة السودانية والتراث، يعزز ذلك انتماءه العظيم لمجمل الحياة السودانية بكل تفاصيلها المميزة والمدهشة، ويقدم فيها دراسات ومحاضرات بالعربية والإنكليزية، ولا غرابة أن تكون هذه الثقافة والتراث حضورا قويا في كثير من الأغنيات على نحو ارتقي بثقافة المستمع لأغانيه، وجعل لفنه مذاقا خاصا منح منتوجه الفني ذلك التفرد والتميز".

وفي ذات السياق، تحدث الشاعر السوداني، التجاني الحاج موسى، لوكالة "سبوتنيك"، وقد تغني الكابلي له في قصيدة اسمها: (في عز الليل)، إن" الكابلي ليس بشاعر ولا فنان فحسب إنما هو ملحن وباحث في التراث وسفير النوايا الحسنة"، مضيفا أن" موهبة الكابلي كانت أساس نجاحه وقد شكلت محصلة لإبداعه وعطائه إلى جانب نشأته في أسرة مثقفة إلى جانب عمله بالقضائية أتاح له زيارة بقاع السودان مما انعكست تلك الرحلات الطويلة في تشكيل وجدانه ومكنته في الاحتكاك بمثقفين أمثال القاضي والشاعر (الحسين الحسن) و(الصديق مدثر)".

وحول موهبة، الكابلي، في التلحين، قال الموسيقار السوداني، الدكتور انس العاقب، لوكالة "سبوتنيك"، إن" عبقرية التلحين لدى الكابلي، لم تأت بالصدفة ولا جاءت عفوية ولا كانت تشكل هاجسا له، فقد تضافرت عوامل شتى أسهمت بشكل أساسي في تكوين شخصيته وتحديد معالمها وشروط تأسيس الكابلي الفنان المغني القادم في بداياته الأولى، غير ان شخصية الكابلي المثابرة المنفتحة على عالم الثقافة والفنون السودانية حتمت عليه ألا يكتفي بنمط الغناء الذي أفرزته ونشرته إذاعة امدرمان منذ أربعينات القرن 20 الماضية".

وأضاف "ظل الكابلي يبحث وينقب في كل أنماط الغناء في شمال ووسط السودان وفي مرحلة وسيطه من مشواره الابداعي وقف على كنوز الغناء الذي كان وما زال متداولا من جيل لجيل ولم يكتف الكابلي بجمع ما تحصل عليه بل حفظ أغلب الألحان عن ظهر قلب ثم أخضعها أسلوبه الغنائي وطبقته الصوتية فنهل من التراث الشعبي أنماطه المختلفة في الدوبيت والمواويل وغناء الحماسة والمناحة كما وفي الجانب الروحي".

ومن نواح أخرى، نظم مجموعة من الشباب في السودان ومن معجبي لغناء الكابلي، يسمون المجموعة (الكابلي الأمة) ، معرضا لصور ومشاركات الكابلي في داخل وخارج السودان أثناء الأسبوع الثقافي الذي نظمته جامعة (العلوم الطبية والتكنولوجيا) السودانية في هذه الأيام، فتحدث رئيس المجموعة ، محمد نصار، لوكالة "سبوتنيك"، فقال إن" هي مجموعة تكونت من عدد من الأعضاء المتميزين بمختلف تخصصاتهم وفيهم الشعراء والأدباء و كان الهدف من إنشائها هو تبادل أغنيات الكابلي والبحث في معانيها والبحث في الأغاني التراثية والأغاني القديمة لتدارس معانيها وشرحها".

وأضاف نصار" وكذلك انبثقت من هذه المجموعة عدة نشاطات المجموعة لإقامة المعارض حيث تعرض صور مختلفة للفنان الكابلي ومقتطفات من أغانيه وتسليط الضوء على مؤتمر الدول الأسيوية والأفريقية المعروف (بدول عدم الانحياز) والذي عقد في اندونيسيا بمدينة (باندونغ) عام 1955 والذي صاغ الشاعر البروفيسور تاج السر الحسن ، قصيدته الشهيرة) أسيا أفريقيا) والتي لحنها وغناها الكابلي 1960 أمام الراحل الرئيس المصري جمال عبدالناصر عند زيارته للسودان وهنا كانت انطلاقة الكابلي نحو النجومية في سماء العالمية".

ولفت نصار أن "مجموعة الكابلي الأمة، تستهدف أيضا الشباب حيث تقوم بتنظيم معارض في الجامعات لتقديم فن وغناء في تأريخ الغناء السوداني بعد ان انتشرت في الآونة الأخيرة أنواع من الغناء لا ترتقي لفن الكابلي الذي احتوي علي قيمة الكلمة والمفردة وكذلك المشاركة في المنتديات للحديث عن كل الأحداث التي تحيط بفن الكابلي والهدف التعريف بشخصية الكابلي القامة والأمة من خلال ما قدمه من فن هادف ساهم في التغيير الوطني والمجتمعي"، وأبان" ومن أشهر المعارض التي أقيمت الكابلي كانت بمعرض الزهور في دورته 80، وكان وفاءً الكابلي الذي تغني للزهور والورود وعشقه للطبيعة

وكذلك معرض في بيت التراث السوداني ب((الخرطوم 2 ) احتفالا على مرور 66 عاما على مؤتمر باندونغ أيضا وهكذا هي أعمال مجموعة الكابلي الأمة التي توالت نشاطاتها".

وختم نصار، حديثه قائلا إن "الكابلي يعتبر ظاهرة فنية من الصعبة تكرر في السودان، فهو مزيج موهبة الغناء وعبقرية التلحين يحركه حبه للوطن الذي شكل وجدانه فكان آخر إنتاجه تلحينه ملحمة الشاعر المجيد الوطني الغيور الشريف حسين الهندي هذه الملحمة التي كانت لوحة متكاملة تشبه خريطة السودان حيث أكدت عبقرية الفنان الأسطورة عبدالكريم الكابلي".