الرياض (پاکستان پوائنٹ نیوز 30 سبتمبر 2025ء) شهدت جلسات مؤتمر الاستثمار الثقافي التي انطلقت اليوم في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، حوارًا موسعًا عن واقع الاقتصاد الإبداعي في العالم، وآفاقه في المملكة العربية السعودية.
ويأتي المؤتمر الذي تنظّمه وزارة الثقافة على مدى يومين، في ظل النمو المُتصاعد للاقتصاد الإبداعي السعودي منذ إعلان رؤية المملكة 2030 في عام 2016م ثم تأسيس وزارة الثقافة في عام 2018م، حيث ارتفع تأثيره وزاد عدد ممارسيه والمستثمرين فيه، بفضل السياسات التي سارت عليها المملكة العربية السعودية في سبيل تنمية ثقافتها وفنونها، وتطوير سوقها الثقافية، وجعلها جزءًا رئيسًا من الخطط التنموية الوطنية.
ويمثّل المؤتمر جانبًا من هذه الجهود الرامية إلى تطوير سوق الاستثمار الثقافي السعودي، وتنمية أذرعها ومُقوّماتها، إذ تجمع الوزارة في المؤتمر أهم الأسماء الدولية المؤثرة في الاستثمار الثقافي الدولي، من أجل الحِوار ومد جسور التواصل والتعاون، وتبادل الخبرات، واستكشاف مستقبل الصناعات الثقافية في العالم، وآفاقها الكبيرة في المملكة العربية السعودية. فمن مسؤولي أهم دارين في العالم للتداول الثقافي؛ سوذبيز وكريستيز، إلى رؤساء تنفيذيين لأستوديوهات سينمائية كبرى، وصالات عرض ومتاحف دولية، وموزّعي المنتجات الثقافية عبر العالم، وانتهاءً بروّاد أعمال في الصناعات الإبداعية، يمتد الحوار في قلب العاصمة السعودية، مدينة الرياض، ليشمل الآمال المشتركة لمستثمري الثقافة، وتطلعاتهم نحو صناعة طموحة يستفيد منها المستثمرون والمجتمعات على حد سواء.
وينطلق المؤتمر في محتوى جلساته من القيمة التنموية التي باتت تحتلها الصناعات الثقافية في العالم، حيث تبلغ قيمة الاقتصاد الإبداعي عالميًّا نحو (2.3) تريليون دولار سنويًّا، بما يعادل (3.1) من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع قدرة على استيعاب أكثر من (30) مليون وظيفة، وهي أرقام تُشير إلى أهمية الثقافة في العالم، ودورها الحيوي في تنمية المجتمعات، ونمو الاقتصاد.
ووضعت وزارة الثقافة من خلال الإستراتيجية الوطنية للثقافة هدفًا تنمويًا يتمثّل في رفع مساهمة القطاع الثقافي إلى (3%) من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، أي ما يعادل نحو (48) مليار دولار، إضافة إلى توفير (100) ألف وظيفة جديدة ورفع قيمة الصادرات الثقافية إلى (6.4) مليارات دولار. وفي ضوء ذلك عملت الوزارة على تحويل الثقافة إلى اقتصاد إبداعي مُستدام، عبر خلق مسارات إنتاج للقطاعات الثقافية كافة، وتقديم دعم وحوافز الإنتاج للمستثمرين والمبدعين.
ويمتلك القطاع الثقافي السعودي اليوم مُقوّمات تجعله من أهم القطاعات الثقافية الناشئة في العالم، وتزيد من جاذبيته الاستثمارية، ومن فُرصه التي يقدمها للمستثمر المحلي والدولي، إذ تنشط في هذا القطاع أكثر من 51 ألف شركة تعمل في الأنشطة الثقافية، وأكثر من (234) ألف عامل في القطاع، كما استقطب الاقتصاد الثقافي السعودي تدفقات مالية وصلت إلى (1.9) مليار دولار في عام 2024.
وتضمّنت إستراتيجية وزارة الثقافة لتطوير السوق الثقافية السعودية وتأهيلها لمستوى التنافسية العالمية، تنمية القدرات الثقافية الوطنية لكي تكون رافدًا رئيسًا للإنتاج الثقافي، حيث دعمت الوزارة التدريب والتعليم وزوّدت القطاع بمبادرات تعليمية طموحة، يأتي في مقدمتها برنامج الابتعاث الثقافي، وأكاديمية الفنون والثقافة، وإدراج التخصصات الثقافية في مناهج التعليم العام، ودعم تأسيس الكليات التي تُدرس التخصصات الثقافية، وقد أثمر هذا التوجه عن ارتفاع أعداد خريجي التخصصات الثقافية ليصل إلى أكثر من (28.8) ألف خريج وخريجة حتى نهاية العام 2024م.
ويُعدّ القطاع الثقافي غير الربحي من أهم مكوّنات السوق الثقافية السعودية، حيث تنظر له وزارة الثقافة بصفته عاملًا مؤثرًا في نهضة القطاع إجمالًا، لقُدرته على أن يستوعب نشاط أفراد المجتمع، ويُترجم اهتماماتهم الثقافية، ويعكس مدى إقبال المجتمع على الثقافة إنتاجًا واستهلاكًا. ونظرًا لأهميته في إرساء سوق ثقافية نشطة وفاعلة، فقد وضعت له الوزارة إستراتيجية خاصة به، تستهدف بناء منظومة متنوعة من الجهات غير الربحية في مختلف القطاعات الثقافية في جميع المناطق السعودية. ونتيجة لذلك ارتفع عدد الجمعيات والمؤسسات الثقافية، وأندية الهواة في القطاع غير الربحي السعودي من (28) في عام 2017م إلى (993) في نهاية عام 2024م.
ولدعم أعمال السوق الثقافية، وتحفيز الكوادر الوطنية للعمل فيها، أدرجت وزارة الثقافة (360) مهنة ثقافية مباشرة وغير مباشرة في التصنيف السعودي الموحد للمهن، في اعتراف بالعاملين في الصناعات الثقافية، ولتمكينهم من الحصول على حزم الدعم المختلفة من الدولة، وتغذية سوق العمل بالكفاءات، وقد زاد الدعم المالي من (30%) إلى (50%) للوظائف الثقافية في منتج دعم التوظيف المقدم من صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف)، إلى جانب زيادة في حزم الدعم المقدمة من الصندوق الثقافي، وبقية كيانات المنظومة الثقافية.
وتُجسد هذه المسارات المنظور الشامل الذي تنظر له وزارة الثقافة للسوق الثقافية ولضرورة تطويرها من أجل تحقيق المستهدفات الوطنية، ويأتي مؤتمر الاستثمار الثقافي محطة رئيسية تأخذ هذه السوق نحو بُعد دولي، عبر نقاشات مُركّزة مع خبرات دولية مرموقة، بهدف تعزيز الشراكات، وعرض الفرص التي يحملها القطاع الثقافي، وما يقدمه من نماذج تمويلية مبتكرة، خصوصًا من خلال الصندوق الثقافي الذي يقدم الضمانات الائتمانية، والتمويل المباشر، وصناديق رأس المال الجريء. إلى جانب ما يُتيحه المؤتمر للمستثمرين من اطلاع على قصص نجاح بارزة؛ من بينها قصة صندوق البحر الأحمر للأفلام الذي دعم أكثر من (280) مشروعًا سينمائيًا، وأسهم في زيادة الإنتاج المحلي لصناعة الأفلام بنسبة (200%) خلال عام 2022م، إضافة إلى مبادرات حفظ التراث التي جمعت بين العائد الاقتصادي وتعزيز الهوية الوطنية.