باريس (پاکستان پوائنٹ نیوز 14 أغسطس 2025ء) منذ فجر التاريخ يسعى الإنسان للتكيف مع الطبيعة والاستفادة منها لتغطية الحاجات الأساسية للحياة مثل السكن والغذاء وكذلك الحماية، من خلال فهم القوانين الطبيعية التي تحكم البيئة، وكيفية عملها، ثم محاولة التكيف معها للبقاء والازدهار.
وتُعدّ بعض أنواع العمارة التراثية القديمة مفيدة جدًا للاحتماء من أشعة الشمس والشعور بالقليل من الانتعاش، واليوم باتت تحظى باهتمام متزايد من جانب المهندسين المعماريين الذين يسعون إلى إيجاد حلول للاحترار المناخي العالمي.
ومن أنواع هذا التراث الرياض المغربي وشرفات البيرغولا التي تتدلى الأزهار من سقوفها في منطقة بروفانس الفرنسية، والباحات المظللة المستوحى تصميمها من الطراز الإسباني، والأكواخ التقليدية لشعوب أمريكا الأصلية.
وتقول المهندسة المعمارية ومخططة المدن في باريس كريستيانا مازوني "ثمة أمثلة كثيرة من الماضي مثيرة للاهتمام؛ لجعل السكن أكثر راحة في الطقس الحار".
ومن خلال دراسة عن الهندسة المعمارية على طول طرق الحرير القديمة، التي كانت تعبر القارة الآسيوية من الصين إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، وتحديدًا "المنازل ذات الأفنية أو الشرفات" ذكرت المهندسة مازوني أن الفناء الداخلي "يوفر الظل والبرودة للنباتات، وكأنّها مدمجة في سماكة المبنى"، فأشعة الشمس لا تُسخّن الجدران مباشرة، وغالبًا ما توجد نافورة أو بئر لاستخراج الماء من الأعماق، مما يزيد البرودة.
وتُعدّ هذه الأفنية الداخلية من السمات المميزة للرياض المغربي، والمنازل الرومانية (الدوماس)، وقصور البندقية، وكذلك المساكن العثمانية التي تتميّز بقاعة مركزية.
وتقول مازوني "مع مواصلة السير على طرق الحرير، نصادف الأبراج الهوائية، وهي أنظمة تكييف بيئية قديمة، منتشرة بكثرة في إيران، تقوم بتبريد المساكن من خلال نظام تهوية طبيعي، إضافة إلى البيوت الطينية المصنوعة من مادة عالية العزل، يستلهم منها حاليًا عدد كبير من المهندسين المعماريين".
ومن الأمثلة الشائعة الأخرى، المنزل التقليدي في بروفانس في جنوب فرنسا المُصمم بطريقة تحميه من الرياح وأشعة الشمس، مع تثبيت دعامة نباتية (عريشة) على جانبه الجنوبي.
يقول جاك بولنوا، وهو مهندس معماري ومحاضر في جامعة أورليان وسط فرنسا "كانوا يبنون بالمواد المتاحة، واستنادًا إلى المناخ وأنماط الحياة".
وثمة أمثلة على إعادة الاستخدام الحديثة، مثل شارع مو في شمال باريس، حيث صمم المهندس المعماري الإيطالي الشهير رينزو بيانو فناءً داخليًا واسعًا عام 1991 وسط مساكن شعبية منخفضة الإيجارات صممها أيضًا.
ومن الضروري التفكير في تطوير المعارف والإرث الإنساني في فن العمارة والبناء الخاص بكل منطقة حسب طبيعتها، للاستفادة منها من خلال دمج الخبرات بالتطور والنهضة، ومن ذلك نجد خير مثال في باريس، وتحديدًا في حي لا شابيل إذ جدّدت المهندسة المعمارية الفرنسية فرنسواز إيلين جوردا عام 2014، قاعة باجول التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، مع اعتماد نظام لجمع مياه الأمطار، وتركيب ألواح شمسية، بالإضافة إلى بئر كندية تستخدم درجة حرارة الأرض لتهوية المنزل بهواء دافئ أو بارد اعتمادًا على الموسم.
وفي لحظة تأمل عميق يتبادر في الذهن كيف سيكون العيش في منزل يتميز بأدوات الرفاهية من إضاءة وتكييف وتكنولوجيا متطورة وفي فنائه شرفة تحيط بها أشجار البتولا وزهر العسل في إطلالة على نافورة يتدفق منها الماء بشكل مستمر مصدرًا صوت خرير الماء ليضفي جوًا من الهدوء والاسترخاء على المكان.