عام عصيب على تركيا .. اضطرابات اقتصادية واجتماعية ومخاوف من استمرار الحال

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 27 ديسمبر 2021ء) سماهر قاووق أوغلو. عمت تركيا اضطرابات سياسية واجتماعية، خلال عام 2021، بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، بسبب السياسات الرئيس، رجب طيب أردوغان، القائمة على خفض أسعار الفائدة بهدف زيادة الإنتاج والتصدير، وتخفيض حجم الاستيراد؛ ما أدى إلى تهاوي العملة الوطنية إلى مستويات قياسية.

فقدت الليرة التركية حوالي 130 بالمئة من قيمتها، خلال عام 2021، بعد أن خفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة بمقدار 400 نقطة أساس، اعتبارا من أيلول/سبتمبر الماضي؛ ما نتج عنه تجاوز سعر صرف الدولار الـ 18 ليرة.

ورأى محللون اقتصاديون في انهيار الليرة التركية، محركا للاضطرابات التي شهدتها البلاد خلال العام، الذي أوشك على نهايته.

وقال الخبير في العلوم السياسية والاقتصادية، البرلماني السابق أوغوز أويان، لوكالة "سبوتنيك، "هناك نقطتي تحول في أزمة انهيار الليرة التركية؛ الأولى إقالة رئيس البنك المركزي السابق ناجي أغبال، بعد رفعه أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس في آذار/مارس الماضي، وتعيين شهاب كافجي أوغلو بدلاً منه، ما أثار أزمة العملة وزيادة أسعار الصرف".

وأضاف، "استقرت أسعار الصرف فترة طويلة بعد قرار رئيس البنك المركزي الجديد، كافجي أوغلو، إبقاء أسعار الفائدة ثابتة وأعلى من معدلات التضخم؛ لكن أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الليرة التركية بدأت بالارتفاع بشكل خطير، بعد تصريح كافجي أوغلو، حول أخذ معدلات التضخم الأساسي بعين الاعتبار، عند تحديد أسعار الفائدة، وخفضها 400 نقطة أساس، من 19 إلى 14 في المئة؛ ما أدى إلى هبوط الليرة التركية إلى مستويات قياسية".

وقد أدى ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية إلى زيادة معدلات التضخم أكثر مما هو متوقع، أواخر العام؛ ما "دحض" نظرية أردوغان، القائمة على أن الفائدة المرتفعة هي سبب ارتفاع معدلات التضخم.

ووصل مؤشر أسعار المستهلك إلى 21.31، ومؤشر أسعار المنتج إلى 54.7 على أساس سنوي، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وفي هذا الصدد، قال أويان، "إن الفرق بين مؤشر سعر المستهلك والمنتج أكثر من الضعف، وسعر مؤشر المنتج المعلن هو الأقرب للحقيقة؛ ومن الممكن القول إن التضخم المكبوت (المقيد) هو سعر مؤشر المنتج، الذي بلغ 54.7 بالمئة".

وأشار أويان إلى أن المجموعة المستقلة لأبحاث التضخم أعلنت، أن معدل التضخم السنوي الحقيقي هو 58.7 بالمئة؛ أي ضعف المعدل المعلن من قبل مؤسسة الإحصاء التركية.

وتوقع ارتفاع معدلات التضخم إلى أكثر من 30 في المئة؛ موضحا بالقول، "في حال أعلنت مؤسسة الإحصاء التركية، في 3 كانون الثاني/يناير المقبل، معدل التضخم لشهر كانون الأول/ديسمبر، 10 بالمئة، سيرتفع معدل التضخم إلى 30 بالمئة على أساس سنوي؛ وهذا يعني أن مخزون التضخم سينتقل إلى عام 2022".

وتابع، "ينتظرنا عام جديد ترتفع فيه أسعار مؤشر المنتجين أكثر من أسعار المستهلكين، نظرا لانعكاس أسعار المنتجين على المستهلكين. وفي حال ارتفعت معدلات التضخم إلى 30 بالمئة، سيقوم البنك المركزي بزيادة الفرق بين أسعار الفائدة البالغة 14 بالمئة، ومعدلات التضخم المتوقعة؛ وهذا يعني أسعار فائدة سلبية قد يجعل المدخرين يكفّون عن الاحتفاظ بالليرة التركية".

وأعلن الرئيس التركي عن إجراءات جديدة للدعم النقدي، بعد تجاوز سعر صرف الدولار الـ 18 ليرة واليورو الـ 20 ليرة، اعتبرها الخبراء بأنها رفع غير مباشر لأسعار الفائدة، وتدابير مؤقتة لن تساهم في تحسين الليرة والاقتصاد المنهار.

وتتضمن حزمة التدابير، التي أعلنها أردوغان، إطلاق إدارة مالية تتيح تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية، عبر إبقاء الأصول بالليرة التركية، وتحديد سعر صرف طويل الأجل للشركات المصدرة، من خلال البنك المركزي بشكل مباشر، لتجنبها مشاكل تحديد الأسعار.

ويرى الخبير أويان أن هذه التدابير سيكون لها نتائج سلبية على المدى القصير، فضلاً عن كونها لا تستند على أي قانون، وتتعارض مع الدستور التركي.

وأوضح، أن فهرسة الودائع بالعملات الأجنبية، ستعطي نتائج سلبية، كما حصل في فهرسة الديون الداخلية بالعملات الأجنبية منذ عامين؛ وسيزيد العبء على الخزينة بشكل غير طبيعي.

واعتبر أنه، كان يجب أن تستند التدابير المعلنة من قبل أردوغان على أساس قانوني، وهو يحمل الخزينة والبنك المركزي هذه المسؤولية الكبيرة؛ وحتى ولو استندت على أساس قانوني، وتم تخصيص ميزانية لهذا الأمر في العام الجديد، فهناك فراغ قانوني كبير.

وفي حال قامت الخزينة التركية، التي تجمع الضرائب من المواطنين لتمويل الإنفاق العام، بتحويل الأموال لأقلية من المدخرين الذين سيبقون الأصول بالليرة التركية، سيكون ذلك مخالفاً للمادة 173 من الدستور التركي.

كما يرى أويان، أن التدابير المالية، التي أعلن عنها أردوغان، خلقت جوا إيجابياً وساهمت في توقف ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مؤقتاً. بيد أن هذا الجو الإيجابي مثير للجدل، لأن هناك عملية نفذتها الحكومة التركية رفعت من خلالها الفائدة ضمنيا من 14 إلى 35- 40 بالمئة، الأمر الذي أدى إلى تراجع سعر صرف العملات أمام الليرة التركية؛ لكن هذا الوضع غير قابل للاستمرار، دون اتخاذ تدابير جديدة تساهم في تحسن الليرة التركية.

هذه الخطوات لم تحل المشاكل الاقتصادية القائمة، فضلاً عن أن هذا النظام يعمل، من خلال تحويل الأموال من شريحة واسعة في المجتمع إلى أقلية من الناس، وهذا الوضع غير مستدام؛ برأي الخبير التركي.

وشهدت تركيا، في عام 2021 لاسيما نهايته، مرحلةً تدهور فيها توزيع الدخل وانخفض مستوى الرفاهية على أساس سعر صرف الدولار؛ ناهيك عن زيادة مستوى الفقر، بسبب الظلم في توزيع الدخل بالليرة التركية على الرغم من أن النمو الاقتصادي على أساس الليرة.

وتابع أويان قائلا، "يبدو أن نسبة النمو السلبي، في الربع الثاني من العام الجاري، والذي بلغ 20 بالمئة، قد أنقذ الاقتصاد ظاهريا من الآثار السلبية لوباء كورونا، في عام 2020؛ لكن لم تستفد الشرائح الواسعة من هذا النمو ومعدلات البطالة مستمرة في الارتفاع. حيث عشنا مرحلة تحول فيها الفقر إلى جوع بالنسبة لبعض شرائح المجتمع، وأثارت ممارسات وإجراءات الحكومة سخط المجتمع، وكان لها انعكاسات سلبية".

واستطرد قائلاً، "خلقت العملية الأخيرة والتدابير المالية المعلنة من قبل أردوغان ارتياحاً لدى مؤيديه، الذين كانوا منزعجين وقلقين من الوضع؛ حيث تمكن أردوغان من تهدئة ردود أفعال مؤيديه وغضبهم، وأتاح لهم الفرصة للدفاع عن الحكومة في المجتمع، عبر تقديم أدوات تمكنهم من الانتقال من موقف المدافع إلى موقف المهاجم .. وهذا الوضع مؤقت".

ولفت الخبير التركي إلى أن أزمة جديدة تنتظر الحكومة التركية في عام 2022، مرجعا ذلك إلى التقلبات في سعر الصرف، وهذا يضع صناع القرار في الاقتصاد والشركات والأسر، في وضع صعب للغاية؛ إذ أن تحديد سعر صرف طويل الأجل للشركات المصدرة، من خلال البنك المركزي، سيخلق مشاكل تتسبب في التشكيك بنظام سعر الصرف العائم.

ونوه إلى أن الحكومة تحاول التمسك بشيء ما، أثناء توجهها للانتخابات المقبلة، وإظهار أنها غير عاجزة وقادرة على إدارة الاقتصاد؛ لكن ستدخل البلاد مرحلة، يتحول فيها الوضع إلى أسوأ مما هو عليه خلال وقت قصير، بينما لا تملك السلطة أدوات أخرى لتستخدمها في المرحلة الجديدة.

وبعد تفاقم الوضع الاقتصادي وانهيار الليرة التركية، دعت المعارضة إلى إجراء انتخابات مبكرة، عام 2022، قوبلت برفض أردوغان، الذي أكد أن الانتخابات ستجري في موعدها المحدد، في حزيران/يونيو 2023.

واستبعد الخبير التركي احتمال إجراء انتخابات مبكرة، لأنها ليست في صالح الحكومة، التي هي بحاجة إلى الوقت، من أجل الحصول على نتائج إيجابية من سياساتها المطبقة، وتحويل المشهد السياسي السلبي لصالحها.

وأشار إلى أن المعارضة أرادت تحدي الحكومة سياسيا وجرها إلى انتخابات مبكرة، مستغلة ضعفها وخروج الوضع عن السيطرة؛ لكن الحكومة تمكنت من تحسين صورتها في الأسابيع القليلة الأخيرة.

ورأى أن هذا التحدي غير كاف وعلى المعارضة إيجاد تحديات مختلفة؛ ونصح المعارضة بإعلان برنامج اقتصادي يضع أقوالها، بشأن الخطوات الاقتصادية، في إطار شامل، وتحديد نهجها في السياسية الخارجية بشكل واضح؛ "فهي ضعيفة بهذا الشأن".

أما رئيس شركة "بيار" للدراسات والأبحاث التركية، قدير أطالاي، فتوقع احتمال موافقة الرئيس التركي أردوغان على إجراء انتخابات مبكرة في حزيران/يونيو القادم؛ في تحد للمعارضة، التي دعت إلى انتخابات مبكرة.

وقال أطالاي، للوكالة، "أتوقع احتمال إجراء انتخابات مبكرة، واعتبر الانتخابات المبكرة فخا منصوبا للمعارضة؛ لأن المعارضة تصر على ذلك، رغم عدم تمكنها من توفير أمن صناديق الاقتراع، والذي كان قد أدى إلى خسارتها في الانتخابات الماضية. وفي حال ذهبت المعارضة إلى انتخابات مبكرة، دون توفير أمن صناديق الاقتراع، فهذا سيؤدي إلى خسارتها وفوز حزب العدالة والتنمية".

وذكر، أن أردوغان رفض، عام 2018، إجراء انتخابات مبكرة، لكن فجأة خرج رئيس حزب الحركة القومي، دولت باهتشلي، شريكه في تحالف الجمهور، ودعا إلى انتخابات مبكرة؛ لذا قد نشهد الوضع نفسه، العام المقبل، بحيث تجري الانتخابات في حزيران/يونيو، وهذا يعتبر فخا منصوبا للمعارضة.

وأكد أن التطورات الأخيرة تشير إلى احتمال إجراء انتخابات مبكرة؛ قائلا، "أردوغان يريد إجراء انتخابات مبكرة، عام 2022، بسبب عدم تمكنه من الترشح لولاية رئاسية ثالثة قانونيا في عام 2023. كما تمت إقالة رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، ناجي بوستانجي، الشهر الماضي، وتعيينه رئيسا لشؤون الانتخابات. إضافة إلى أن الحكومة التركية خصصت مبلغاً ضمن موازنة عام 2022، يعتقد أنه لموازنة الانتخابات المبكرة. كما بدأ حزب العدالة والتنمية بتدريب 95 ألفاً من أعضائه على حملات الانتخابات".

وحول ما إذا كانت الأزمة الاقتصادية وتردي الوضع المعيشي في البلاد قد يؤدي إلى تراجع هيمنة أردوغان وحزبه، لفت إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها مؤسسته، تظهر أن ما بين 10 و12 بالمئة من ناخبي حزب العدالة والتنمية، يصفون أنفسهم بالمترددين؛ وهذا المشهد لم يختلف عما كان عليه في انتخابات، عام 2018.

واستبعد أطالاي، أن يصوت الناخبين المترددين لصالح المعارضة، كما حدث في عام 2018؛ وأنهم سيقومون بالتصويت لصالح أردوغان وحزبه.