مالي 2019.. عنف لا يستثني أحدا وحوار وطني أنتج اتفاقا على استفتاء دستوري

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 30 ديسمبر 2019ء) سكينة أصنيب. عاشت مالي سلسلة من الأحداث الهامة عام 2019، فرغم استمرار مسلسل العنف والصراع في شمال ووسط البلاد بين الجيش والحركات المسلحة، فقد استطاعت القوى السياسية مع نهاية العام الذي نودعه الاتفاق على عقد مؤتمر حوار وطني أفضى إلى المصادقة على إجراء انتخابات تشريعية في الأشهر الأولى من 2020، وتنظيم استفتاء دستوري في نفس العام.

واستقبلت مالي 2019 بهجوم مسلح على خلفية عرقية استهدف مزارعين من عرقية الفولاني، حيث هاجم مسلحون صباح أول أيام العام قرية "كولوجون" بمنطقة موبتي وسط البلاد وقتلوا 37 مدنيا في استمرار لمسلسل العنف العرقي الذي أودى بحياة مئات الماليين.

وزاد العنف بين عرقية الفولاني وغيرها من الجماعات المنافسة من تدهور الوضع الأمني في مناطق الشمال والوسط والتي باتت ملاذا للجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش (الإرهابيين المحظورين في روسيا وعدد كبير من الدول) والتي استغلت الصراع العرقي لزيادة عدد المنضمين إليها وإشاعة الفوضى في البلاد.

وفي 23 آذار/مارس عادت أعمال العنف العرقية مجددا لكن هذه المرة كانت حصيلتها ثقيلة حيث قتل مسلحون 134 شخصا من الفولاني وسط مالي غالبيتهم نساء وأطفال وشيوخ، وتزامن الهجوم مع زيارة لبعثة مجلس الأمن الدولي لمحاولة إيجاد حلول للعنف العرقي الذي يودي بحياة أكثر من 500 مدني سنويا. وفقا للأمم المتحدة.

وفي السادس من كانون الثاني/يناير وقع حادث استثنائي حينما اختفى 200 جندي من الحرس الرئاسي المالي، بعد وصولهم إلى الأراضي الكندية لتلقي تدريبات في مجال محاربة الإرهاب، وقدم الجنود طلبات للحصول على اللجوء السياسي، مؤكدين أن بلدهم يعاني من الحرب وأن حياتهم في خطر لأنهم في الصفوف الأمامية في مواجهة الإرهابيين.

وفي السادس عشر من كانون الثاني/يناير عاد الارهاب ليضرب من جديد إقليم "منكا" شمال البلاد حيث لقي 22 شخصا مصرعهم خلال هجوم لمسلحين محسوبين على تنظيم "داعش" (الإرهابي المحظور في روسيا وعدد كبير من الدول)، واستهدف الهجوم 3 قرى في الإقليم الذي تسكنه قبائل ترتبط بتحالفات مع قوات "برخان" الفرنسية العاملة في مالي، قبل أن يعلن الجيش الفرنسي في الثامن عشر من الشهر أن قواته العاملة في مالي قتلت 15 مسلحا يشتبه بأنهم كانوا يعدون هجوما في منطقة موبتي وسط مالي.

في 21 كانون الثاني/يناير لقي 10 جنود تشاديين من قوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة في شمالي مالي، مصرعهم في هجوم تبنته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة ردا منها على قرار الرئيس التشادي إدريس ديبي إعادة علاقات البلاد الديبلوماسية مع إسرائيل.

وفي الثلث الأخير من الشهر ذاته أثارت صور ومقاطع فيديو لعمليات تعذيب "عبيد" تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، جدلا واسعا في مالي وغضبا حقوقيا عارما، وتظهر الصور عمليات تعذيب وحشي تعرض له رجال وأطفال ونساء ينحدرون من "شريحة العبيد" بداعي ارتكابهم مخالفة في حق "أسيادهم".

ومباشرة بعد انتشار المقاطع المصورة جرى نقل الضحايا من قرى صغيرة غرب مالي، إلى العاصمة باماكو تحت رعاية منظمات حقوقية، وفتح تحقيق اتهم عشرات الشبان بتعذيب الضحايا باستخدام عصي وأسلحة بيضاء.

واتهمت المنظمات الحقوقية الحكومة بالتستر على العبودية المنتشرة في شمال وغرب البلاد، وما دفع الحكومة إلى اصدار بيان تؤكد فيه أنها تدين ممارسة أفعال تمس من شرف وكرامة عدد من الأشخاص في بعض قرى البلاد، وأكدت أن "هذه الأفعال يتم تفسيرها بميول استعبادية تمارس باسم ثقافة يتبناها المنفذون.. وأنها تهدد السلام واللحمة الوطنية".

في 25 كانون الثاني/يناير أيضا قتل جنديان من قوات حفظ السلام الدولية في مالي بانفجار لغم بسارتهم في منطقة موبتي وسط البلاد.

وتأسست بعثة الأمم المتحدة في مالي عام 2013، بهدف مكافحة الميلشيات المسلحة، وجرى نشر أكثر من 15 ألف شخص، بينهم مدنيين، في مالي في وقت لاحق، كجزء من بعثة الأمم المتحدة المسماة "مينوسما".

في 30 كانون الثاني/يناير، أعلنت وزارة الدفاع المالية مقتل جنديين وإصابة ستة آخرين في هجوم انتحاري استهدف قاعدة للجيش في "غاو" شمال البلاد، قبل أيام من مقتل عمدة بلدية آنديرابوكان في شمال مالي بالخطأ برصاص الجيش "حينما لم يستجب قائد السيارة لطلب التوقف.

وفي الحادي عشر من شباط/فبراير تظاهر آلاف الماليين احتجاجا على فشل الحكومة في وقف الهجمات المسلحة وانتشار الفساد الأخلاقي، وطالب المتظاهرون باستقالة رئيس الحكومة، ووضع خطة إصلاح كامل ونبذ القيم الغربية الأكثر انفتاحا، وهاجموا سعي الحكومة الى ادخال كتب ضمن مقررات الدراسة تنادي بمقاربة متساهلة في مسألة المثلية الجنسية.

وفي شباط/فبراير أيضا أعلنت القوات الفرنسية العاملة في مالي أنها تمكنت من قتل القيادي الجزائري جمال عكاشة المعروف بـ "يحيى أبو الهمام"، أمير إمارة الصحراء في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" (الإرهابي المحظور في روسيا).

وأبو الهمام أحد أبرز القيادات في الجماعات المسلحة بمنطقة الصحراء الكبرى، وتحالف قبل عامين مع باقي القيادات الجهادية في المنطقة لتشكيل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين".

وفي الشهر ذاته لقي 3 جنود من بعثة حفظ السلام الأممية في مالي مصرعهم على يد عصابات أثناء سفرهم برا من العاصمة باماكو إلى غينيا المجاورة، قبل مصرع  17 مدنيا بانفجار عبوة وضعت في جثة مفخخة في بلدة ديانكابو، قبل أن يظهر أمير "جبهة تحرير ماسينا" المالي ممادو كوفا، في تسجيل مصور نافيا خبر مقتله الذي أعلنته القوات الفرنسية قبل ثلاثة أشهر خلال عملية عسكرية جرت وسط مالي.

وفي الأول من آذار/ مارس قتل 9 جنود ماليين من قوة مجموعة دول الساحل الخمس المشتركة، إثر انفجار لغم بعربتهم وسط البلاد.

وفي الثاني عشر من الشهر ذاته لقي 6 جنود ماليين مصرعهم إثر انفجار لغمين أرضيين وسط البلاد في منطقتي "أومبوري" و"موبتي" وسط البلاد، قبل أيام من مقتل 20 جنديا بهجوم تبنته جبهة "ماسينا" التابعة لجماعة "نصرة الاسلام والمسلمين"، على قاعدة عسكرية للجيش المالي بقرية "جورا" التي تبعد 100 كيلومتر على حدود موريتانيا.

وظهرت الاشتباكات على خلفية عرقية على السطح مجددا في 23 آذار/مارس حينما هاجم مسلحو عرقية "الدوغون" قرى تسكنها عرقية الفولاني مما أدى لمقتل 157 شخصا في قرية أوغوساغو وسط البلاد.

وفي اليوم التالي لقي 8 عسكريين مصرعهم، باستهداف سيارة يستقلونها قرب تمبوكتو، فقال الرئيس إبراهيم بابكر كيتا قائد الأركان العامة للجيش امبابا موسى كيتا، وقادة الأركان الجوية والبرية، كما قرر حل ميليشيات "الدوغون" التي أسستها قبائل الدوغون وكانت تحظى بدعم من الحكومة، من أجل تأمين القرى من الهجمات الإرهابية. وجاءت هذه القرارات بعد مذبحة راح ضحيتها 157 شخصاً من عرقية "الفولاني"، أثارت حالة من الغضب والصدمة في مالي.

وندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالهجمات الإرهابية التي تستهدف قوات حفظ السلام والقوات المالية والقوات الدولية والمدنيين، وأكد أن الهجوم على قبائل الفولاني وقع عن سبق إصرار، وحث السلطات في مالي على مضاعفة جهودها لوضع حد للعنف وإعادة إحلال السلام وسط البلاد.

وأواخر الشهر أعلن المدعى العام اعتقال خمسة أشخاص يشتبه في مشاركتهم في المذبحة التي ارتكبت ضد قبائل الفولاني.

وفي مسعى لاحتواء العنف في البلاد الذي تنوع ما بين أسباب عرقية، أو عمليات لجماعات إرهابية، أو رد على تواجد قوات أجنبية على أراضي مالي، انعقد حوار وطني شامل منتصف كانون الأول/ديسمبر الجاري، بمشاركة نحو ثلاثة آلاف شخص بينهم شخصيات حزبية، وقادة المجتمع المدني، إلى جانب ممثلين عن جماعات مسلحة.

وأفضى الحوار إلى اتفاق على إجراء انتخابات تشريعية قبل الثاني من أيار/مايو 2020، وتنظيم استفتاء دستوري في نفس العام.

وتضمنت توصيات الحوار محاور تتعلق بالأمن، وتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة، وقد أكد الرئيس المالي إبراهيم أبوبكر كيتا أنه سيلتزم بالسهر على تنفيذ هذه التوصيات.