السودان: شباب يزينون شوارع الخرطوم برسومات جدارية تخليداً لثورتهم ضد النظام السابق

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 30 سبتمبر 2019ء) أورثت ثورة "ديسمبر" الشعبية في السودان، العديد من إبراز مواهب الشباب التي كانت غائبه، خاصة الإبداعات والتضحيات التي اظهرها الشباب في ساحة الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم.

وينظر قطاع واسع من الشباب السوداني، أن النظام السابق قد مارس عليه الرقابة والتشدد في إتاحة فرص لتنظيم معارض ومسارح للرسم والحفلات وفن الكاريكاتير وغيرها من الفنون، بهدف عدم كشف سوء إدارته وفساده وظلمه للمجتمع طيلة الثلاثين عاما اثناء قبضته على حكم البلاد​​​.

وأثناء جولة لمراسل وكالة "سبوتنيك" الروسية، على أعمال "الجداريات" أو الرسومات التي نفذتها مواهب شبابية على حوائط الطرق والأماكن العامة في العاصمة الخرطوم، على خلفية نجاح الثورة في السودان، وقفت الطالبة في كلية القانون بجامعة " الرباط" السودانية، عزة هاشم، تتأمل في الرسومات الجدارية التي تزين حوائط الطرق المجاورة لميدان الاعتصام، وهي في حالة تأثر عميق وعيناها مغرورقة بالدموع، أسالها عن سبب بكائها؟ فردت قائلة إنها" ظلت باستمرار تتردد إلى منطقة ساحة الاعتصام منذ انفضاضه في شهر يونيو الماضي، لتشاهد هذه الجداريات وتجتر عبرها ذكريات أيام الاØ

�تصام، فيمر شريطها أمام عيناي وتتذكر رفاقها الثوار الذين كانوا معها في لجان الاعتصام".

وتوصف معزة وصوتها يتقطع" منهم الشهداء الذين ارتقت أرواحهم إلى بارئها ومنهم الجرحى الذين ما يزالون يقاسون جراحهم ومنهم المفقود الذي لا يعلم مكانه حتى الآن"، وأضافت أن" هذه الجداريات التي رسمها التشكيليون الثوار تعبر عن روح الثورة وقيمها السامية وتعكس ما كان موجودا من معانٍ جميلة في ساحة الاعتصام جسدت الوطنية والتلاحم والترابط بين كل قطاعات الشعب السوداني فشكلت هذه الساحة سودانا مصغراً بكل قيمه الجميلة".

ومن اللافت للنظر، أن هذه الجداريات، أصبحت هذه الأيام تتمدد عبر شوارع الخرطوم بمبادرة شعبية عفوية من التشكيليين، وكل متجول في الخرطوم، يرى مجموعات من الشباب وهم يرسمون لوحات كبيرة متنوعة على الجدران المطلة على الشوارع في مناطق الكباري والأنفاق والتقاطعات والطرقات العامة والمدارس، وبدا وكأن شوارع الخرطوم قد تحولت إلى معارض فنية واسعة .

وفي ذات النحو، تحدثت المهندسة المعمارية، منار عبد المنعم، لوكالة"سبوتنيك" وهي تهتم وتشارك في مبادرة رسم الجداريات وتعمل ضمن مجموعة في منطقة جسر "المك نمر"، أوضحت أن" الفكرة تحتوي على نظافة الشوارع وإزالة مظاهر القبح واستبدالها بهذه اللوحات الجميلة حتى تواكب التغيير الذي حدث في السودان".

ومن جانبه، قال الناشط في المبادرة، خالد صلاح الدين، أن" الشباب العاملين في هذه المبادرة عبارة عن مجموعات تنسق فيما بينها، وأنهم مجموعة خاصة للفنان التشكيلي، جلال يوسف وهو من تشكيليي ساحة الاعتصام، وهو يضع لهم النماذج وهم يشتغلون عليها التنفيذ". واصفا، أن" الشباب المشاركين في أعمال الجداريات، بالجنود، جنود مجهولون ينشرون الجمال في شوارع الخرطوم".

مشيراً إلى أن " الفكرة لاقت رواجا واسعا في الشارع حتى انهم يجدون التعاون من القوات الأمنية المكلفة بالحراسة في هذه المواقع"، لافتا أن" هذا العمل الجميل لا يرفضه إلا أعداء الجمال والمناهضون للثورة أصحاب الفكر المتحجر والبالي".

وأوضح في الموضوع، الفنان التشكيلي، جلال يوسف، صاحب فكرة الجداريات، قائلا إنه" يطرح فكرة جدارياته عادة على وسائط التواصل الاجتماعي ومن ثم يتفاعل معها المهتمون بمختلف القطاعات والفئات"، منوها أن" آخر لوحة نفذت كان قد نشرها على موقع الفيسبوك ووجدت القبول والاهتمام، فتبنتها مجموعة من الشباب وبدأوا في تنفيذها في نفق جسر المك نمر، وأن لوحاته متنوعة لكنها في العموم تمثل مبادئ الثورة وقيم وأخلاق وعادات الشعب السوداني الأصيلة".

وأضاف يوسف، أن" هناك الكثيرين من المشاركين من غير التشكيليين هم مؤمنون بالفكرة ويساهمون بالنظافة والتلوين والطلاء، وهناك من يدعمون المبادرة بتوفير مواد الرسم وبعضهم يدعم بالمال"، مؤكدا على" استمرارهم في هذه المبادرة حيث لهم أفكار كثيرة لتطويرها وتوسعتها ووصفها بأنها جزء من الثورة ونوع من المشاركة في النضال الذي بدؤوه منذ أيام الاعتصام".

وإبان اكثر عن أعمال هذه الجداريات لتخليد ذكرى الثورة السودانية، الفنان التشكيلي والمصور الفوتوغرافي، عاطف سعد، فقال لوكالة" سبوتنيك" إن" هذه المبادرة امتداد لبرنامج الاعتصام حيث بدأت الفكرة مع تكوين تجمع التشكليين وانضمامه للثورة أول يناير الماضي، فتم إنشاء استوديو لعمل بوسترات وشعارات تجمع المهنيين والترويج لجداول التجمع الداعمة للثورة"، مضيفا" ثم قام تجمع التشكليين بدور عظيم في هذه الناحية وكون غرفة تعمل 24 ساعة مع مجموعات لرسم الشهداء في مناطقهم"، مشيرا أنه" منذ بداية الاعتصام بدا التشكيليون برسم جداريات قصة الثورة على الجدران المحيØ

�ة بموقع الاعتصام، ثم تطورت الفكرة لتعم الخرطوم وكل أقاليم السودان، حيث جذبت الكثير من المواطنين وشركات الدهانات بالمساهمة في مد التشكليين بالمواد اللازمة لتنفيذ الأعمال الفنية العظيمة".

ويرى يوسف، أن" هذه الأعمال أبرزت دور فن الرسم في الحراك وعكس وجه الثورة الجميل وتغذية الحس الوطني وإزكاء الروح السودانية الأصيلة، ومن الأشياء المفرحة أن معظم الأعمال التي رسمت أيام الاعتصام تم توثيقها وعرضها في جميع أنحاء العالم ، فأدهشت المتابعين داخل وخارج السودان ،وصارت فن الجداريات ثقافة عامة في كل السودان، وأصبحت الأحياء والمدارس تقوم بعمل صيانة ودهن الحوائط وتجهيزها وتطلب من تجمع الشكيليين وتجمع طلاب كلية الفنون الجميلة عمل جداريات تتناسب مع هذه المدارس".

ويواصل سعد حديثه، قائلا إن" الفن التشكيلي في السودان هو الوحيد الذي شب عن الطوق ووصل العالمية لأنه يحظى بمكانة عظيمة خارج السودان، وفي فترة النظام البائد كان هناك تضييق شديد على الفنون وعلى كل شيء جميل وبالتالي عانى السودان من عزلة طويلة".

وتابع" هذه الجداريات أسهمت بصورة كبيرة في تنشيط العمل التشكيلي في السودان بعد الثورة وأتاحت لأعداد كبيرة من التسكيليين وطلاب كلية الفنون الخروج من حالة الكبت والتعبير عن أفكارهم الثورية الرائعة وشحذ الهمم وعكس روح الثورة السودانية والتوثيق لها وحفظها في ذاكرة التاريخ".

وأفاد الصحفي المصور، ياسر هارون، ومن ضمن المشاركين بالمبادرة، قائلا إن" هذه المبادرة جزء من مشروع كبير في إطار ترقية الذوق العام ورفع الوعي عبر الفنون اتساقا مع روح الثورة والتغيير الذي سيشمل كل قطاعات المجتمع وليس الجانب السياسي فقط".

ويؤكد هارون، أن" الفن التشكيلي يسهم بصورة كبيرة في إشاعة القيم الجميلة والأخلاق الفاضلة، ويسهم بشكل كبير في مكافحة التطرف والعنف القبلي والكراهية لأن المحب للفن يعيش سلاما داخليا وبالتالي يكون محبا للآخرين متقبلا للآخر ويشيع السلام في مجتمعه ، ويرى ياسر أن العنف والتطرف لا يلتقيان مع الجمال والحب فهما في خطين متوازيين".