مدارس طرابلس تتحول لمراكز إيواء للنازحين الهاربين من جحيم الحرب الدائرة بالقرب من منازلهم

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 30 أبريل 2019ء) سارة نور الدين. في كل يوم تتواصل فيه الحرب تزيد فيه معاناة المدنيين، وها هو التصعيد العسكري في العاصمة الليبية طرابلس على مشارف شهر كامل، لا يعلو فيه صوت فوق صوت القصف والمدفعية، بينما نزح أكثر من 40 ألف شخص من جحيم الاشتباكات الشرسة في جنوب، وجنوب شرقي المدينة، ليستقروا في مراكز للإيواء خصصتها حكومة الوفاق الوطني داخل العديد من المدارس وسط العاصمة​​​.

"كانت أصوات الاشتباكات تقترب شيئا فشيئا، حتى جاء يوم سمعنا فيه أصوات إطلاق الصواريخ، ووقتها خرجنا من بيتنا هربا الساعة 2 فجرا، لم نتمكن حتى من تغيير ملابسنا"، هكذا وصفت سهام الحرب الدائرة بالقرب من بيتها على طريق مطار طرابلس العالمي، جنوب المدينة.

وقالت سهام التي نزلت في أحد مراكز الإيواء وسط طرابلس، حيث التقت معها وكالة سبوتنيك "يوم 16 نيسان/أبريل، اسمه يوم المجزرة، في البداية كنا نسمع صوت الرصاص والاشتباكات قريبا منا، وأحيانا نسمع في أصوات قذائف، لكن بعدها استخدموا صواريخ غراد، وكانت قريبة جدا منا".

أضافت سهام "نعرف صوت الرصاص والصواريخ، وبعدما خرجنا للهرب رأينا الصاروخ، أمامنا مباشرة على الطريق، كانوا يطلقون الصواريخ والرصاص بشكل عشوائي، وفي الليل أكثر من النهار".

وتابعت سهام "سيارات الإسعاف كانت تدخل للمنطقة لإنقاذ الناس، عرفنا من فيس بوك والأخبار بعدها أن هناك عددا من جيراننا استشهدوا، وهناك عائلة كاملة احترقت في بيت قريب منا"، موضحة "القصف كان فوقنا مباشرة ونحن في طريق الهروب، وكنا في حالة فزع كبيرة، القصف كان كثيفا جدا".

تعيش سهام وأطفالها علاوة على عائلتها المكونة من والدتها وأختها في فصل دراسي كان من المفترض أن يخصص للدراسة بمدرسة الغنيمي الإعدادية للفتيات، قائلة "لم نكن نتوقع أن يصل الموضوع لهذا الوضع، نلجأ لمدرسة، ونهرب من بيوتنا، هذا صعب وحزين جدا، أطفالي في حالة فزع، ولا نعرف إلى متى يستمر هذا الوضع".

أما سعاد، التي وصلت أمس الأول الأحد لمركز للإيواء وسط العاصمة، فهي من قرية خلّة الفرجان التابعة لمنطقة صلاح الدين جنوب العاصمة، قالت "كنت في زيارة لأمي في بيت والدي بوادي الربيع قبل يومين من بداية الاشتباكات، ولم أتمكن بعد ذلك من العودة لبيت زوجي بسبب الحرب، وإطلاق النار، والصواريخ، وكلها عشوائية".

وأوضحت سعاد "قضيت 20 يوما تحت القصف، لم أتمكن من الهرب من بيت أمي بسبب الضرب، الرماية [إطلاق النار] والقصف كان فوقنا مباشرة، إلى أن جاءني زوجي بسيارته لإنقاذنا وإخراجنا من البيت، لكن أمي رفضت مغادرة بيتها، وبقيت هناك حتى الآن، وأيضا زوجي ووالده ووالدته لا يزالون هناك".

أضافت سعاد "لا أستطيع الاتصال بزوجي أو أمي كثيرا، تغطية الاتصالات في المنطقة هناك شبه منعدمة، وأعيش يوميا على أمل أن تهدأ هذه الحرب لأتمكن من العودة لهم"، موضحة "القذائف كانت تسقط بجانب بيتنا، وبعدما أسمع صوت إطلاق الصاروخ أو القذيفة، أجد البيوت من حولي إما شب بها الحريق، أو الدخان، ولا أعرف هل خرج جيراننا منها أم لا ".

وعن طريق هربها من منطقة الاشتباكات بالقرب من منزلها، قالت سعاد "الهلال الأحمر طلب مني الخروج والسير حتى الشارع الرئيسي، لأنهم لا يستطيعون الدخول وسط إطلاق النار، فمشيت نصف ساعة تقريبا وسط الضرب الكثيف"، موضحة "بيتنا هو آخر بيت في المواجهة، وأنا آخر شخص خرج من المنطقة".

تقع منطقة خلّة الفرجان على مقربة من معسكر اليرموك حيث تدور اشتباكات شرسة في هذه المنطقة، وقالت سلاّمة وهي من سكان من معسكر اليرموك، إنها تمكنت من الخروج من بيتها في 12 نيسان/أبريل بعد قرابة 10 أيام من بدء الاشتباكات.

أضافت سلامة "المنطقة حول منزلي عسكرية، ونحن على مقربة من قاعدة الوطية العسكرية التي تقلع منها الطائرات الحربية"، متابعة "الرصاص العشوائي دخل بيتي، والصواريخ ضربت عمارتين بجوارنا، بعدها خرجت للاحتماء في بيت جارتي، لأنني لم أتمكن من المغادرة، فلا أملك سيارة ولا شيء، أنا وولدي الصغير فقط وهو مريض أيضا".

وتابعت سلامة "المسلحون من الجهتين كانوا في حرب شوارع، ويدخلون البيوت ويخرجون منها وهكذا، بعدها أقاموا سواتر رملية، وهكذا الحال، هم يتحاربون ونحن في المنتصف، كأننا محاصرون في غابة وهم يضربون من حولنا، فوارغ الرصاصات على الأرض أمام بيتي لا يكفيها عشرات الأجولة".

وأوضحت سلامة "عندما فُتحت طريق للهرب أخذت ابني وركضنا نهرب، والمنطقة كلها عبارة عن دمار كامل، ودخان من كل مكان، ولكن هناك قليلون جدا قرروا أن يبقوا في بيوتهم ومزارعهم حيث يرعون الأغنام والأبقار خوفا من تعرضها للسرقة، أو التخريب، يخافون على أرزاقهم".

ومن عين زارة خرجت نوال وزوجها وابنتها هربا بعدما اشتدت حدة الاشتباكات هناك، وقالت "وصلت من 6 أيام فقط لمركز الإيواء، قبل ما نصل هناك لم أجد مع زوجي مكانا للمبيت، لذلك قضينا في سيارتنا 3 ليالٍ، وبعدها عرفنا طريقة للتواصل مع الهلال الأحمر الذي أرشدنا للمدرسة".

وأضافت نوال "خرجت من بيتي، وفي نفس اليوم اقتحموا المنطقة، والاشتباكات كانت بالقرب منا، كل الجيران خرجوا"، موضحة "الهلال الأحمر كانت يبث عبر مكبرات الصوت نداءات للسكان للخروج وأن أمامنا 4 ساعات فقط، والناس كلهم خرجوا وتركوا بيوتهم، ولكن كنا نسمع صوت الرصاص والنار كأنه يمر من فوقنا".

وتابعت نوال "طلعت مع بنتي الصغيرة، لكن بنتي الثانية أكبر منها بسنتين لا تزال في بيت جدتها في وادي الربيع، لم أتمكن من العودة لأخذها حيث احتدت هذه المواجهات هناك".

وفي طريق المطار أيضا، خرج نبيل مع والدته وأخته من منزلهم، تاركا شقيقه الأكبر هناك الذي قرر البقاء خوفا على تعرض منزلهم للسرقة، قائلا "الاشتباكات كانت قوية جدا، كنا أول عائلة تخرج من بيتها في المنطقة"، موضحا "عرفنا أن طريق السواني الرئيسي قد أُغلق، لذلك اضطررنا للسير لنصل للهلال الأحمر".

أضاف نبيل "أخي لا يزال في بيتنا هناك، خوفا على تعرض البيت للسرقة، وهو يتحمل الضرب والنار لكن خوفا على أرزاقنا"، متابعة "نحاول التواصل مع أخي يوميا لكن الاشتباكات هناك لا تزال قوية".

أما علي، وهو من منطقة وادي الربيع، فقال "خرجت بعد 5 أيام من الاشتباكات، ووصلت لمركز الإيواء هنا وهو آمن، لأن بيتي كان قريبا جدا من المواجهة، والمدفعية، كنت أسمع صوت سير الدبابات يهز البيت".

وأضاف علي "كنت أظن أن الحرب يومين سوف تنتهي، لكن مع استمرارها تعذر علينا تدبير مياه الشرب والخبز، وكان يتعذر علينا الخروج من البيت بسبب الرماية، ثم أصبحت الأمور صعبة جدا، لذلك خرجنا وهربنا".

من جانبه، قال المشرف على مركز إيواء مدرسة الغنيمي عضو اللجنة الفرعية بفوج الكشافة أيمن الورفلي "نشرف على 8 مدارس لإيواء النازحين في العاصمة، خصصت للمتضررين جراء الأحداث الأخيرة، وهناك مدارس أخرى يشرف عليها الهلال الأحمر ومؤسسات المجتمع الدولي، والمجالس البلدية".

وأضاف الورفلي في حديثه لوكالة سبوتنيك "نستضيف نحو 26 أسرة، في الوقت الحالي، ونحن بصدد افتتاح المدرسة المجاورة لاستيعاب أعداد متزايدة من النازحين"، متابعا "كل عائلة تخرج تدخل عائلة أخرى مكانها، وهذا متوسط أعداد الأسر في كل مدرسة تقريبا".

وأوضح الورفلي "نقدم لكل نازح ما يحتاجه، نحن جميعا متطوعون، ونستقبل التبرعات العينية من جيران المدرسة، ورجال الأعمال، وبقية سكان طرابلس، لخدمة النازحين، حيث نقدم لهم الملابس، والمأكل، والمشرب، من خلال الأعمال الخيرية، فهؤلاء النازحين معظمهم خرج بالملابس التي عليه، ولم يتمكن من أخذ شيء آخر من بيته".

وأوضح الورفلي "الجميع هنا متطوعون، الطباخون الذين يجهزون الغذاء، الكشافة وكذلك المرشدات لخدمة وتأمين السيدات النازحات، وهناك عدد من العائلات تنزح من بيوتها يوميا وتأتي للسكن هنا لمدة قصيرة حتى إيجاد سكن بالإيجار".

وعن الصعوبات التي يواجهها الكشافة في ظل الظروف الحالية، قال الورفلي "أول يوم فتحنا فيه هذه المدرسة لم تكن على هذا الترتيب، حاولنا تنظيفها، وتجهيزها لتكون مثل بيت مؤقت للنازحين"، مشددا "العمل أهلي بالكامل ولم تساهم فيه الدولة أو الحكومة أو أي جهة رسمية فيه".

وعن الدعم النفسي الذي تقدمه الكشافة كجهة مشرفة على مركز الإيواء، قال الورفلي "لدينا لجنة نفسية لتقديم الدعم اللازم للأمهات، والآباء، والأطفال، ومحاولة تخفيف حدة الصدمة التي تعرضوا لها، أو تهيئتهم نفسيا لما يمكن أن يحدث، في حال طالت الأزمة، أو عادوا ليجدوا ممتلكاتهم مدمرة بسبب الحرب".

وتابع الورفلي "نحاول إقامة أنشطة، ومسابقات للأطفال والكبار أيضا، بالإضافة إلى قيام أساتذة متطوعين لتعليم الدروس للطلبة النازحين، بحيث لا يفوتهم شيء على المستوى الدراسي عند انتهاء الحرب وعودتهم لمنازلهم".

وعن الاستعدادات في حال استمرت هذه الأزمة، قال الورفلي "لدينا أنشطة واستعدادات لشهر رمضان، وكذلك لأيام عيد الفطر"، موضحا "هذه مدرسة للطالبات لكنهن نقلن منها لمدرسة أخرى في فترة مسائية، فأصبحت المدرسة المجاورة تعمل على فترتين من 7 إلى 11 صباحا، و11 للثالثة مساء، ووزارة التربية والتعليم قررت عودة الدراسة بعد عيد الفطر يوم 9 حزيران/يونيو، على أمل أن تكون انتهت هذه الحرب قبل هذا التاريخ".