التهديدات الأميركية لروسيا تهدف لإعادة رسم وتحديد موازين القوى في العالم – خبير استراتيجي

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 16 فبراير 2022ء) محمد معروف. الولايات المتحدة ومعها الحلفاء الغربيين وأوكرانيا، ومنذ فترة، توجه اتهامات إلى روسيا بالإعداد لغزو أوكرانيا؛ وتهدد موسكو بعقوبات وصفتها بـ "القاسية جدا"، إذا هاجمت هذا البلد​​​.

موسكو، وفي مناسبات عدة، أكدت أن ليس لديها خطط لمهاجمة أوكرانيا، بل تريد المساعدة في تنفيذ "اتفاقيات مينسك" للتسوية في جنوب شرقي البلاد؛ لافتة إلى أن الادعاءات الغربية حول الغزو المزعوم، ما هي إلا ذرائع لتمدد حلف شمال الأطلسي (ناتو) شرقا، ونشر قدرات عسكرية قرب الحدود الروسية.

وتطالب موسكو، الولايات المتحدة والحلف العسكري الغربي، بتقديم ضمانات أمنية، بعدم التوسع على حساب جمهوريات الاتحاد السابق، وعدم نشر بنية تحتية عسكرية قرب حدودها.

ويرى الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، كمال الجفا، أن التهديدات الأميركية لروسيا، عبارة عن إعادة رسم وتحديد الموازين والقوى الدولية، والتي تريد من خلالها واشنطن أن تعيد حشد حلفائها من جديد، وتقسم العالم إلى قسمين، كما كان إبان الحرب الباردة.

وقال الجفا، في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك"، اليوم الأربعاء، "أميركا بدأت بإلقاء تهديدات لروسيا بعقوبات قاسية، حال غزت أوكرانيا، قبل أن يكون هناك أي توتر على الحدود الروسية الأوكرانية ..

حاولت أميركا، بعد أن فقدت كثيرا من أوراقها في الشرق الأوسط، أن تعيد رسم السياسات الدولية، وتؤمن حشد دولي، علها تعيد هيمنتها، التي كانت قبل عشر سنوات؛ وأنا اقصد هنا عندما بدأ ما يسمى بالربيع العربي، توقف المشروع العربي في سوريا، وبدأت بعدها تضعف تدريجيا قدرة أميركا على أن تكون القطب الأوحد في العالم".

وأضاف، "قدرة أميركا على شن الحروب المباشرة انتهت، بعد حرب العراق والخسائر التي تعرضت لها، وكذلك أن تقود حروب بالوكالة عبر الوكلاء، الذين انتهى دورهم بعد أن خسروا الكثير من المواقع والنقاط المتقدمة، التي كانوا يحققون من خلالها مكاسب للإدارة الأميركية، خاصة ضد محور طهرانبيروت - دمشق".

وتابع الجفا، قائلا، "مع التغير الاستراتيجي والجيوسياسي الكبير في شرق آسيا، وبدء ظهور الصين كقوة عظمى، بدأت الولايات المتحدة تعيد رسم سياساتها؛ على أن تقوم بتصنيف الأعداء تدريجيا، ووضع الصين عدوا قادما لأميركا.

بعد ذلك، أخذت القرار بالانسحاب من أفغانستان؛ ليس فقط لتأمين الأمن والأمان، وتسليم طالبان (منظمة تخضع لعقوبات الأمم المتحدة بسبب النشاط الإرهابي) الحكم؛ ولكن للسماح لداعش – خرسان (الإرهابي المحظور في روسيا)، بالتمدد والسيطرة على كل المناطق الحدودية التي تقع ضمنها منظومة دول الاتحاد السوفيتي السابق.

فشل التجربة في كازخستان (أحداث العنف الأخيرة، التي وصفتها الحكومة بمحاولة انقلاب فاشلة)، أضعف الموقف الأميركي؛ لذلك افتعلت الأزمة في أوكرانيا، وبدأت بعمليات التصعيد، واتبعتها بمقاطعة الألعاب الأولمبية في بكين".

واستطرد قائلا، في هذا الصدد، "اليوم اصطدمت أميركا بالتحشيد الأوروبي بدولتين لم يكن لها اتخاذ موقف حاسم. الموقف الألماني، وهو أساسي في قيادة الساحة الأوروبية، والذي يحدد تحالفات باقي الدول الأوروبية؛ ويتبعه الموقف الفرنسي.

لذلك، اليوم، أميركا تعلم أن روسيا لن تجتاح أوكرانيا بأي شكل من الأشكال؛ والجيش الروسي لن يجتاح أوكرانيا .. لكن التصعيد الأميركي في قمته، حيث حددت توقيت اجتياح روسيا لأوكرانيا .. وكأن قرار الاجتياح من عند بايدن.

لن يكون هناك اجتياحا، وبدأنا نلحظ تراجعا في المواقف الأميركية بخطاب بايدن، أمس، عندما قال: لسنا أعداء الشعب الروسي، ونحن نقدر المصالح الروسية.

أعتقد أن قمة التصعيد انتهت، وسيتبعها تنازل وتراجع تدريجي وتكتيكي أميركي".

وحول محاولات حلف شمال الأطلسي (ناتو) التمدد باتجاه الحدود الروسية؛ قال الخبير، "بعد الأزمة، فإن روسيا – بوتين، لن تتراجع عن مواقفها ومطالبها شرق الأراضي الروسية وتمدد الناتو. وإن تراجعت سيكون كارثة لروسيا، إن سُمح بالتمدد؛ لان ذلك سيكون كارثة أن يتمدد الناتو الى أوكرانيا، وسيتبعه حتما تمدد إلى مجموعة من محيط جنوب شرق روسيا.

لذلك هو موقف حاسم ستعتمد عليه مجموعة الدول المستقلة من تحديد موقفها، إما الانضمام الى الناتو، أو البقاء الى جانب روسيا، أو أن تبقى على الحياد".

وعن الاوضاع الاقتصادية عالميا، وحروب الغاز؛ قال الجفا، "حرب الغاز مستمرة. ومن ضمن التهديدات الامريكية وقف خط الغاز التيار الشمالي. وكان هناك تصريحات متلاحقة حول إمدادات الغاز إلى أوروبا. لكن حتى الآن مشاريع الطاقة والغاز، لن تتخلى عنها أوروبا، رغم تصريح أميركا حول استعدادها لمد أوروبا بالغاز؛ لأنها غير قادرة فعليا على تأمين كميات ضخمة من الغاز إلى أوروبا.

أيضا، عملية الاستقرار الاقتصادي في أوروبا، أو مزيد من العقوبات، أو توقف السويفت (نظام التحويلات المالية العالمي)، لن يؤثر فقط على دول الاتحاد الأوروبي، الذي يعاني أصلا من وضع اقتصادي صعب جدا بسبب السياسات الامريكية وضغوطاتها، وسيتم التأثر أيضا.

واعترف بايدن، أمس، أن الولايات المتحدة ستتأثر بالعقوبات الاقتصادية، في حال تم تشديدها على روسيا؛ لذلك هي حرب اقتصادية واعادة تموضع وجيوسياسية، وإعادة هيمنة وفرز العالم، للوصول الى فترة استقرار في الحد الأدنى.

ستتوقف أميركا لإعادة قراءة سياساتها لعشر سنوات أخرى، ولن تتوقف الحروب الأمريكية على دول العالم؛ لأنها لا تريد أن تفقد قدرتها على اتخاذ القرار، وأن تكون الدولة الوحيدة في العالم".

وفي هذا الصدد تابع الخبير الاستراتيجي قائلا، "صعود قوى إقليمية متعددة، والتحالف الاستراتيجي الكبير الذي رسم في موسكو وبكين وطهران، سيعيد رسم التحالفات الدولية في العالم، وتأمين عمود فقري أساسي لاقتصاديات العالم، لما تمثله هذه الدول من ثروات وموقع استراتيجي كبير جدا، يؤدي إلى مسك الاقتصاد في جنوب شرق آسيا.

لذلك قد تعمد أميركا لضرب هذه السياسات بإشعال بؤر توتر؛ كما حصل في أفريقيا قبل سنتين، كانت هناك 4000 شركة صينية تعمل في مشروع الحزام والطريق، واخترعت أميركا ما يسمى داعش – أفريقيا (الإرهابي المحظور في روسيا)، ومولت ما يسمى الحرب في إقليم تيغري (الإثيوبي). وكانت داعش قاب قوسين من السيطرة على أديس أبابا .. وفجأة توقفت العمليات العسكرية وانسحب داعش، وتم تأمين الأمن والأمان في أثيوبيا.

لذلك هي حروب اقتصادية ستستمر، إن لم تكن بالأدوات المعلنة، بتدخل قوى إقليمية دولية، فهي عبر الأدوات والإسلام السياسي".

وعن زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أمس، إلى سوريا ولقائه الرئيس الأسد؛ قال الجفا، إن "توقيت زيارة شويغو إلى سوريا كان مفاجئا لانشغال القيادة الروسية بما يحدث في أوكرانيا، وبالتحضير لمسارح عمليات متنقلة وتفجر بؤر توتر ضد روسيا.

لكن، تم قبل ذلك نشر العديد من القطع البحرية الروسية، ونقل طائرات وقاذفات استراتيجية الى مطار حميميم (سوريا)، والذي سبقه توسيع المطار.

الزيارة كانت رسالة عالمية لروسيا، أن سوريا حليفا استراتيجيا أساسيا لروسيا؛ وتسريبات اللقاء بين الأسد وشويغو، تؤكد أن سوريا دولة استراتيجية وجيوسياسية هامة لروسيا، وسيكون هناك تحالفا طويل الأمد، يعيد تحديد حجم سوريا في المنطقة، ويؤدي إلى مزيد من التحصين والدعم للجيش السوري.

مطالب سوريا، هي أن يكون هناك ردع بمساعدة روسية، لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، من خلال هذا التحالف".