موسم الرطب في الإمارات .. رواج اقتصادي وتراث يأبى النسيان

موسم الرطب في الإمارات .. رواج اقتصادي وتراث يأبى النسيان

أبوظبي (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 27 يوليو 2020ء) أرض الإمارات غنية بتراثها الثقافي غير المادي و لكل مفردة فيه حكاية رائعة تتناقلها الأجيال وتتوارثها ولا يستثنى من ذلك موسم القيظ وحصاد الرطب وما يزخر به من حكايات جميلة ومؤثرة لكون الإنسان الاماراتي تربطه علاقة وطيدة بالنخلة فهي جزء من منظومة حياته ويعيش معها من بدايات طفولته ويشعر بالارتباط الوثيق معها وتكبر العلاقة الأبدية معها.

و موسم الرطب جزء أصيل من التراث الثقافي غير المادي للإمارات و الذي تتناقله الأجيال وتتوارثه جيلا بعد جيل بهدف التعرف على المضامين الاجتماعية والتفاعل الرمزي المنغرس في هذه الظاهرة و محاولة تتبع تحولات القيم الاجتماعية تجاهها عبر الأجيال والتعرف على التغيرات التي تطرأ على أساليب الناس في التعامل مع هذا الموسم ورؤيتهم الإيجابية للحياة على الرغم من قسوة الظروف وهي منظومة قيم كامنة في مكونات المجتمع راسخة في وجدانه تسهم في بلورة العلاقات الاجتماعية كل موسم.

و ارتبط موسم الرطب قديما بالمقيظ وهو عبارة عن رحلة البحث عن البرودة والطقس المعتدل حيث توجد ظلال النخيل الوارفة وجداول الماء العذبة و ما لذ وطاب من الرطب ما جعله موسما حيويا يزخر بالحراك الاجتماعي والمد الثقافي .

وقد تغير هذا المفهوم في العصر الحديث بعدما وجد الأهالي حلا لحرارة الطقس و وفرت المراكز التجارية قاعات للتزلج على الثلج في أشد أيام الصيف حرارة وطور المزارعون أساليب الزراعة واستقطبوا أنواعا من النخيل ينضج رطبها مبكرا و بعضها يتأخر في النضوج ما أعطاه صبغة تجارية و اقتصادية بين مناد بالرطب أو مشتر يعلم أنه تاج الموائد و رمز الكرم والضيافة التي لا تكتمل إلا بتقديمه مع القهوة في هذا الوقت من العام.

و ينتعش هذه الأيام سوق الرطب في الامارات ويحفل بأنواع عديدة تتنوع حسب أماكن زراعة أشجار النخيل وطريقة معاملتها وتعبئة انتاجها بعد الجني .

و يرى رواد السوق لوحات فنية لا تخطئها العين شكلها الانتاج المحلي الفاخر للرطب حاملة الزائر إلى زمان غابر شكلت فيه هذه الشجرة وثمارها منذ آلاف السنين ثروة حقيقية للامارات.

و في هذا السياق قال الخبير والناشط البيئي والزراعي راشد المرر: " التمور الاماراتية رسخت علامتها التجارية في السوق العالمي وراج سوق منتجها من الرطب و التمر حيث بلغت حصة الإمارات من صادرات التمور العالمية العام قبل الماضي 5 بالمائة .. موضحا أن حجم الإنتاج يزيد على 500 ألف طن سنويا من الثمار الطازجة وهذا الانتاج يجعلها من أهم 10 دول منتجة للتمور على مستوى العالم وتقع ضمن أهم الدول المصدرة للتمور إذ تستحوذ على نحو 30 بالمائة من حجم التجارة الخارجية العالمية منها سواء استيرادا أو تصديرا.

و أضاف المرر: " على الرغم من التحولات الاجتماعية التي طرأت والاجراءات الاحترازية بسبب جائحة كورونا فإن موسم الرطب في الامارات بخير ولله الحمد وهو موسم عطاء وتراث يأبى النسيان وظاهرة اجتماعية واقتصادية سنوية يترقبها الجميع في الصيف بشغف لما للنخلة من مكانة متميزة كونها من أقدم الأشجار التي عرفها ابن الامارات وهي إرث ومصدر فخر واعتزاز منذ القدم".

وقال إن الامارات بلد الـ 42 مليون نخلة ولهذه الشجرة ارتباط وثيق بذاكرتها و تراثها الحي وكانت البيوت قديما عامرة بالنخل كما هي الشوارع و لا تخلو سفرة الاماراتيين من الرطب صيفا أو التمر شتاء." و شدد المرر على أنه إذا كان لشجرة النخيل قيمة غذائية فإن قيمتها الروحية أعظم و للنخلة و الرطب مكانة رفيعة وقيمة مجتمعية لدى الامارات والاماراتيين فما من شجرة استحقت مكانة أعلى من النخلة التي مجدتها الأديان كافة و جاء ذكرها في القرآن الكريم و التوراة و الإنجيل ولقبت بسيدة الشجر وعمتنا النخلة.

وأضاف الخبير راشد المرر:" الحمد الله هذا الموسم يبشر بوفرة المعروض من أصناف متعددة من الرطب المحلي وطلبات العملاء متواصلة والعمل يسير بشكله الطبيعي تحت الضوابط الاحترازية " موضحا أن النخلة تنتج بشكل متوسط 60 كيلوجراما .. و سعر الكيلو حسب الصنف يتراوح ما بين 20 و 100 درهم حسب الصنف و الجودة".

وفي رده على سؤال حول الإقبال على الرطب في زمن كورونا.. قال: " لم تعد هناك مشكلة فنحن نسوق بالطرق التقليدية و لدينا منصات تسويق رقمية نستقبل الطلبات "أونلاين" ونقوم بتوصيل الرطب إلى أي مكان في الامارات " مؤكدا أن هناك اقبالا واسعا من الاماراتيين والمقيمين على طلب الرطب " أونلاين" .. ويستقبلون يوميا مزيدا من الطلبات " .. وأكد أن الإماراتيين يحبون تناول الرطب مع شرب القهوة في عادة عربية أصيلة تم توارثها عن الأجداد.

من جانبه أكد المواطن محمد سهيل المزروعي رئيس مجلس إدارة مصنع تمور ليوا أن موسم الرطب خلافا للتوقعات السائدة يشهد هذا العام رواجا و لم نلحظ ركودا في السوق لأن نهج الشيخ زايد " رحمه الله " مؤسس الدولة جعل من أبوظبي عاصمة للنخيل .. وذكراه تضمن رواج موسم الرطب في كل عام وفاء للقائد المؤسس وللنخلة التي ظلت متجذرة في قلب كل مواطن.

وقال : "النخلة تلقى اهتماما كبيرا في الإمارات على المستويين الرسمي والشعبي وهو نوع من الوفاء الذي تميز به أبناء الإمارات لمؤسس دولتهم ولهذه الشجرة المباركة رفيقة الإنسان على هذه الأرض في أيام الشدة فكان حري به أن يرد لها الكرم في أيام الرخاء".

ونوه المزروعي إلى أن أكبر دليل على وفاء الامارات و الاماراتيين للقائد المؤسس .. توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة برفع قيمة الجوائز وزيادة فئات مسابقات الرطب و الفواكه ضمن "مهرجان ليوا للرطب" بدورته الأخيرة لتصل إلى أكثر من ثمانية ملايين و200 ألف درهم.

و أكد أن موسم الرطب في الامارات هو موسم فرح يزخر بالمهرجانات والجوائز المليونية خاصة أن الدولة من خلال مؤسساتها الرسمية تولي النخلة الرعاية و الاهتمام الذي تستحقه وتقيم و ترعى عدة مهرجانات كل عام احتفاء بها وبإنتاجها ومنها مهرجان ليوا ذائع الصيت الذي يعد بمثابة بورصة عالمية للرطب ومهرجان الذيد ومهرجان عجمان للرطب.

و رغم مظاهر الحياة العصرية في الإمارات والتحول الكبير الذي حدث إلا أن موسم جني الرطب مازال ظاهرة اجتماعية و اقتصادية لأنه موعد للفرح يجمع المزارعين الاماراتيين وأسرهم تحت ظلال النخيل وتشهد أسواق الفاكهة و الخضار رواجا اقتصاديا ينتظره التجار من عام إلى عام و يجد فيه المشترون فرصة لتذوق ما لذ و طاب و تقديمه للضيوف وإهدائه للأحباب.