خورفكان تعيد إحياء معالمها التاريخية

خورفكان تعيد إحياء معالمها التاريخية

أبوظبي (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 10 أبريل 2019ء) أنجزت دائرة التخطيط والمساحة في إمارة الشارقة مشاريع ترميم وإعادة إحياء أهم المعالم والمناطق التاريخية في مدينة خورفكان والمناطق التابعة لها، وذلك بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

ولا يخفى على متتبع اهتمام صاحب السمو حاكم الشارقة الخاص بالتراث العمراني في مدن الإمارة كافة، حيث بحث سموه في جميع الوثائق التاريخية التي تشير إلى أهم المعالم التاريخية المندثرة في خورفكان، ووجه بإعادة إحيائها لتشكل من جديد رمزا لأصالة هذه المدينة ذات التاريخ الغني.

وقال سلطان الحمادي مدير مشاريع مكتب مستشار دائرة التخطيط والمساحة في إمارة الشارقة إن الدائرة انطلقت في عملها من المعلومات التي استخرجها صاحب السمو حاكم الشارقة من المصادر التاريخية والتي أشارت إلى الأماكن المتوقعة لوجود السور المندثر لحصن خورفكان وبرج العدواني والمعالم التاريخية الأخرى.

وأوضح أن الدائرة سخرت إمكانياتها كافة لاستخراج الصور والمخططات القديمة لهذه المعالم، وشكلت فرق عمل متخصصة في الجمع الميداني للمعلومات التاريخية المتوفرة لدى كبار السن في مدينة خورفكان الذين عاصروا تلك المعالم قبل اندثارها، كما اعتمدت الدائرة في عمليات إعادة البناء والترميم على متخصصين في مجال التراث العمراني، ووقعت اتفاقيات تعاون مع الجهات الحكومية ذات الاختصاص، إضافة إلى استقدامها لبعثات متخصصة في الآثار.

وتشمل المشاريع المتوقع تدشينها مطلع الأسبوع المقبل .. حصن خورفكان وسوره التاريخي، وإعادة تأهيل السوق القديم، وإعادة بناء جبل وبرج العدواني التاريخي ، والشعبية القديمة في شيص، والأبراج الدفاعية والبيوت الجبلية بمنطقة وادي شي.

بني حصن خورفكان في أربعينيات القرن الماضي بالحجارة نظرا للطبيعة الجبلية في خورفكان، وكان في بداياته يحتوي على مربعة واحدة ذات جدران مائلة ومسننات علوية وفتحة للسلاح، ثم تمت إضافة مربعة جهة البحر أعلى من سابقتها وتحتوي طابقين زيادة في التحصين الدفاعي مع إطلالة على الجهات الأربعة، ويعتبر واحدا من شبكة الأبراج الدفاعية المرتبطة بخورفكان، حيث يطل من جهة على برج العدواني ومن الجهة الأخرى على برج الرابي.

وفي ستينيات القرن الماضي تمت إعادة بناء حصن خورفكان ليصبح دارا للحكومة، وقد اشتهر عند أهالي خورفكان باسم " القلعة"، وكان يضم الدوائر الحكومية كافة آن ذاك مثل دائرتي البريد والكهرباء والماء وغيرها من الدوائر، وخلال هذه الفترة تمت إضافة مجلس للحصن من جهة البحر لاستقبال الزوار، وتم نصب سارية في مقدمته ووضع مدفع في الساحة الأمامية التي تحولت إلى مكان لتجمع العامة من الناس.

ونظرا للتوسع العمراني في المدينة فقد تم هدم حصن خورفكان عام 1985، وفي عام 2018 وجه صاحب السمو حاكم الشارقة بإعادة إحياء هذا المعلم التاريخي ليعود كما كان رمزا تاريخيا لخورفكان، وشاهدا على جمال وهيبة التراث العمراني لهذه المدينة العريقة، حيث تم من خلال الصور والوثائق والخرائط التاريخية، الاستدلال على المكان الذي اندثرت فيه آثار الحصن، وقامت دائرة التخطيط والمساحة بإيفاد بعثة يابانية متخصصة في التنقيب الأثري، من خلال توقيع اتفاقية مشتركة مع هيئة الشارقة للآثار، واستطاع فريق التنقيب أن يكشف عن الآثار الموجودة في هذا المكان.

ووجه صاحب السمو حاكم الشارقة بالحفاظ على الآثار ودراسة القطع المكتشفة في الموقع والتي تساعد في فهم أساليب الحياة التي تميزت بها المدينة قديما، ولحق ذلك إعادة تصور للعناصر المعمارية لحصن خورفكان وإعادة تجسيده وتهيئته كمتحف لآثار المنطقة الشرقية. واستمرت عملية بناء الحصن خمسة أشهر بإشراف مهندسين معماريين متخصصين في التراث العمراني من دائرة التخطيط والمساحة بالشارقة.

وحرصت الدائرة على إشراك الرواة الذين يملكون معلومات تاريخية عن الحصن في مراحل البناء كافة، واستعانت ببنائين وحرفيين متخصصين في المباني الحجرية التي تتميز بها مدينة خورفكان، وحرفيين لتصنيع الأسقف التراثية والأبواب والنوافذ الخشبية، كما قامت الدائرة بتهيئة الحصن لاستقبال القطع الأثرية التي أشرفت هيئة الشارقة للآثار على انتقائها وعرضها.

واعتمدت عملية إعادة بناء الحصن على طرق البناء المحلية والمواد المتوفرة في البيئة المحيطة، ولكن شملت تحسينات لمواد البناء المستعملة بحيث تراعي ديمومة المبنى وسلامة زائريه، والحفاظ على القطع الأثرية المعروضة من الرطوبة.

كان برج العدواني يعتلي قمة جبلية تطل على ميناء خورفكان التاريخي، وتميز عن غيره من الأبراج المعروفة في منطقة الخليج العربي بشكله الفريد واستخدامه كمنارة للسفن وظل هذا البرج الذي بني في القرن الخامس عشر صامدا حتى عام 1985 ثم تم هدمه وإزالة الجبل الذي كان يعتليه.

ووجه صاحب السمو حاكم الشارقة، بإعادة بناء البرج، وكان التحدي الأساسي هو إعادة البرج في موقعه الأصلي، لذلك عملت دائرة التخطيط والمساحة أولا على تحديد موقع الجبل بدقة من خلال الرجوع إلى المسوحات القديمة للمنطقة، ثم إزالة المباني الشاغلة للمكان، وبعدها بدأت المهمة الفريدة من نوعها بإعادة بناء الجبل بشكله الطبيعي حيث تم تشكيله بحيث تتخلله مسارات للمياه من أعلاه إلى أسفله في محاكاة للوديان الطبيعية التي تخترق الجبال، وبعدها تم بناء البرج على قمة الجبل من خلال الرجوع إلى الصور التاريخية والمخططات التي تمت دراستها لتقدير أبعاد البرج طولا وعرضا وارتفاعا.

ولإثراء تجربة الزائرين الراغبين في الصعود إلى القمة، تم تعبيد مسار يناسب المشاة والسيارات الصغيرة بحيث تتمكن جميع الفئات العمرية وأصحاب الهمم من الصعود إلى القمة.

كان سور خورفكان شاهدا على صمود واستبسال أهالي خورفكان في وجه الغزو البرتغالي بقيادة القائد أفونسو دلبوكيرك في حملته الأولى 1506، حيث رفض أهالي خورفكان الاستسلام، ومع مرور الزمن وتغير الأحوال، اندثر سور خورفكان التاريخي، ولكن ظل ذكره واردا في روايات الرحالة والغزاة، وأهالي المنطقة.

واستطاع صاحب السمو حاكم الشارقة، أن يربط الدلائل المستقاة من كتب التاريخ، وروايات الأهالي، ليشير إلى المواقع المحتملة لوجود آثار السور، ووجه سموه دائرة التخطيط والمساحة بالإشراف على عمليات البحث عن السور، والتي بدورها عقدت اتفاقية مع هيئة الشارقة للآثار تم بموجبها إيفاد بعثة يابانية متخصصة كانت قد عملت في الجزء القديم من مدينة خورفكان في التسعينيات.

وبدأت البعثة عملها اعتمادا على المعلومات التاريخية بالبحث عن السور في المواقع المحتملة، فيما قامت دائرة التخطيط والمساحة بتهيئة المواقع للتنقيب ودعم البعثة للوصول إلى مبتغاها، كما ساهم فريق التراث العمراني في الدائرة بتقديم المعلومات التي تساعد في الوصول إلى فهم أولي لموقع السور، إلى أن تكللت الجهود بالنجاح وتم العثور على أول جزء من سور المدينة القديم بموازاة المقبرة والجبال.

ويمتد هذا الجزء حوالي مائة متر ويصل عرض السور فيه إلى حوالي المتر والنصف، كما يحتوي على منشأة مربعة قد تكون برجا دفاعيا أو غرفة للحرس أو بوابة كما تشير الوثائق التاريخية.

وواصلت البعثة عملها للعثور على الأجزاء الأخرى من الجبل بحيث تكتمل الصورة، لأن الوثائق التاريخية كانت تشير إلى أن السور لا يوازي الجبل فقط، وإنما يلتف باتجاه البحر وكشفت البعثة في زيارتها الثانية عن جزء السور الممتد نحو البحر، والذي يحتوي أيضا على قاعدة مربعة قد تكون برجا أو بوابة أو غرفة، وفي زيارتها الثالثة اكتشفت جزءا من السور يميل باتجاه الجبل، وقد يلتقي هذا الجزء في نهايته مع الجبل ليشكل معه تحصينا للمدينة القديمة.

وداخل منطقة السور تم اكتشاف بيوت من القرن الخامس عشر، في دليل مبدئي على تاريخ السور، ومازالت الأبحاث جارية لاكتشاف المزيد عن سور خورفكان التاريخي.

يتميز برج الرابي بعمارة فريدة من نوعها، فهو يعتلي رابية تطل على مدينة خورفكان بأكملها، ويرتبط من جهة مع برج العدواني، ومن الجهة الأخرى ببرج المقصار في منطقة وادي شي.

وبناء على توجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، نفذت دائرة التخطيط والمساحة مشروع تعبيد الطريق المؤدية إلى برج الرابي إضافة إلى وضع تصور لإضافة مقهى في قمة الرابي بإطلالة شاملة على المدينة والبحر والجبال.

كشف طريق خورفكان الجديد عن مناطق تاريخية وطبيعية كانت معزولة عن أغلب الناس، تتمثل بعدد من الأبراج الدفاعية وبيوت حجرية تدنو من الوادي أو تقع على مدرجات الجبل، إضافة إلى قنوات مائية مشيدة على حواف الجبال.

ووجه صاحب السمو حاكم الشارقة بالاعتناء بتلك المعالم التاريخية والحفاظ عليها وترميمها، وقد باتت هذه المباني التاريخية تشكل اليوم عنصرا مهما من عناصر الجذب في منطقة وادي شي إلى جانب سد الرفيصة واستراحته العائلية المطلة على البحيرة.

وأصبح الوصول إلى منطقة شيص يسيرا من خلال طريق خورفكان الجديد، ويستطيع الزوار اليوم التمتع بالعناصر الطبيعية الساحرة في المنطقة، فهناك نبع ماء وأفلاج مبنية على حواف الجبال، ومزارع متدرجة على جانبي الطريق الضيق حيث تتدلى الأشجار على جانبيه.

وقبل الوصول إلى الشعبية الجديدة في شيص، يمكن بالكاد ملاحظة السلم المؤدي إلى أعلى، حيث يعتبر هذا السلم الطريقة الوحيدة للوصول إلى القرية القديمة التي كان يسكنها أهالي شيص.

وقامت دائرة التخطيط والمساحة بتوجيهات من صاحب السمو حاكم الشارقة، بدراسة إعادة تأهيل القرية القديمة بشيص، للتناسب مع البعد السياحي للمنطقة مع افتتاح طريق خورفكان الجديد.

وتحتوي هذه القرية - الخالية تماما من السيارات - على بيوت حجرية بنيت بحجارة مميزة شبيهة بالرخام تم جلبها من مقلع بالقرب من القرية، ويتوسط القرية مسجد سيتم ترميمه كانطلاقة لمشروع إعادة الإحياء، كما يخترق القرية فلج يمكن مشاهدة فتحات صيانته في السكة المؤدية إلى الباحة الرئيسية في القرية، وتتوسط الباحة شجرة قديمة كانت تشكل تجمعا لأهالي القرية.