زايد.. رجل السلام

زايد.. رجل السلام

أبوظبي (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 21 سبتمبر 2018ء) عرف المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" بحبه للسلام ونبذه الفرقة والخلافات وكان نهجه في حل الخلافات قائما دائما على مبدأ تحكيم لغة الحوار والعقل وكانت له مواقف مشرفة لحقن الدماء في الوطن العربي والعالم.

وضرب "رحمه الله" المثل والقدوة في الحاكم الإنسان فقد أسس مجتمع دولة الإمارات على المساواة والعدالة الاجتماعية ورسخ قيم الانتماء في نفوس أبنائه ومتن أواصر الوحدة بينهم فحصد حبا وترابطا وإخلاصا في البناء..

أما على الصعيد الخارجي فقد دعا لنشر السلام في كل مكان ومد يد الصداقة واعتمد على تقريب وجهات نظر الفرقاء باتباع الحوار الهادئ الإيجابي الذي يحقق مصلحة الشعب أولا كما مد جسور التعاون مع دول العالم والتي تحقق المصلحة المشتركة بالإضافة إلى أنه هب أكثر من مرة لنجدة شعب ملهوف بحاجة للمساعدة.. ولا ننسى إسهاماته الثقافية والأكاديمية بالكراسي المنتشرة في جامعات كثيرة حول العالم ولا جهوده المضنية في مجال صون البيئة وغير ذلك الكثير مما أكسبه الاحترام والتقدير وجعله رمزا للسلام والمحبة والحكمة.

21 سبتمبر.. اليوم العالمي للسلام حيث يتوجه العالم بالتحية لكل من ساهم في حفظ السلام وكل من اطفأ شرارة حرب لا يدفع ثمنها الا المستضعفون من الشعوب وكل من بذل جهدا لإعلاء قيم السلام بالعالم وساهم في فض نزاع بالطرق السلمية بعيدا عن الحروب.

وفي هذه المناسبة التحية تكون مستحقة وواجبة للمؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أحد أبرز رجالات السلام بالعالم نتيجة مسيرة عقود تكللت فيها الجهود الاماراتية بالنجاح وجعلت الدولة محط انظار الجميع وقبلة الباحثين عن الحوار وملاذ المكتوين بنيران الحروب.

وفي مثل هذا اليوم تتذكر البشرية جمعاء إنجازات الراحل التي لا تعد ولا تحصى لا سيما في مجال تعزيز أسس السلام في العالم ورؤيته الإنسانية لتوطيد العلاقات الدولية.

وتحكي لنا هذه المناسبة قصة قائد أدرك أن الأولوية القصوى هي الوطن وأن المواطن هو الغاية وأن الهدف الأسمى أن يتجاوز ابن الإمارات بإنجازاته وشموخه حدود وطنه.

وأخذ المؤسس الراحل بأيدي مواطنيه إلى مصاف الأمم فاستطاع أن يجمع بين المواطنة الإماراتية والعربية الشمولية والإنسانية السامية كما استطاع على مدى قرابة نصف قرن أن ينتج ثقافة فريدة رسخها في عقول شعبه ومواطنيه بأن الخلاص في السلم ولا حل أفضل منه في هذا العالم.. فاسس بذلك النهج علاقات مع المتناقضين في آن واحد بحيث استطاع أن يقف على مسافة واحدة من كليهما فتواصل مع الكل رافضا أن تتخندق الإمارات خلف تحزبات تولد هنا أو تحالفات اسست هناك.

وكان السلام دائما قيمة عليا لدى المؤسس الراحل وشكل محور السياسات الاماراتية على المستويات المختلفة خليجيا واقليميا ودوليا وهو ما ظل يؤكد عليه دوما وبرهنت عليه سياسة الدولة وموقفها الداعم لكافة الحقوق المشروعة للشعوب ودفاعها عن ثوابت السلام الدولي وهو ما يمكن استخلاصه من خطابه"رحمه الله" وهو يحدد ملامح المستقبل: //إننا نتطلع إلى غد مشرق؛ دعامته القوة، وسنده الحق، ومضمونه التكاتف والتآزر، وأساسه الأخوة والتضامن والعدل، وشعاره فعل الخير وتحقيق السلام".

والاهم ان كل من على المعمورة من أقصاها إلى أدناها يستذكر في هذا اليوم أن الشيخ زايد اوجد توازنا سياسيا محسوبا بميزان حساس عكس حنكة سياسية فريدة خلال مسيرة مباركة امتدت لما يزيد على نصف قرن اثبتت ايامها وتجاربها حرصا حثيثا على السلام في احلك المواقف التي مرت بها المنطقة طوال فترة هي الاصعب.

احداث جسام مرت على المنطقة اثبتت مواقف الإمارات ازائها الواحدة تلو الأخرى الايمان السامي بالسلام واعتبار الحوار اللغة الرسمية والبديل الأوحد لإدارة الازمات واطفاء الحرائق وتبريد بؤرها الساخنة.

وبنظرة عامة واقعية يتأكد لنا ان شخصية الشيخ زايد فرضت نفسها بقوة على الساحتين العربية والدولية لتأثيره وحرصه الشديد على السلام العالمي ودوره في اقراره في المنطقة.. وهو القائل: //إننا نسعى إلى السلام ونحترم حق الجوار، ونرعى الصديق، لكن حاجتنا إلى جيش قوي قادر على حماية الوطن تبقى قائمة ومستمرة، ونحن نبني الجيش لا عن رغبة في غزو، وإنما للدفاع عن أنفسنا//.

لقد كان الشيخ زايد قائدا بارزا يحترمه جميع قادة العالم ويقدرون خدماته الجليلة وعمله الدؤوب من أجل دعم الاستقرار والرخاء في الإمارات ودول المنطقة وان جميع دول العالم تنظر إلى تجربة الإمارات الوحدوية كنموذج مشرف للوحدة في المنطقة والعالم.

وعبر عن ذلك ممثلو المجموعات الجغرافية الخمس في الامم المتحدة في حفل التأبين الذى اقيم لفقيد الوطن الشيخ زايد في الرابع من نوفمبر عام 2004 حيث قال ممثل مجموعة دول اوروبا الشرقية: //الشيخ زايد رجل دولة بارز وسياسي يتجه دوما نحو المستقبل ولذلك استحق احترام وتقدير شعبه والعالم اجمع//.

واضاف // اننا لا نستطيع ايضا ان نقلل من قيمة الانجازات التي حققها سموه على صعيد تحقيق السلام والامن في المنطقة والعالم اجمع حيث ارتبط بعلاقات مبنية على الثقة والاحترام مع دول الجوار الأمر الذي انعكس بدوره على تقريب وجهات نظر دول المنطقة وجعل جامعة الدول العربية احدى المنظمات الدولية المؤثرة في تعزيز الامن والاستقرار الدولي//.

وأشاد قادة العالم بحكمة الشيخ زايد وعمله الدؤوب من أجل السلام ففي مأدبة افطار اقامها لأبناء الجالية المسلمة في الولايات المتحدة في 11 نوفمبر 2004 قال الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش //اننا نتذكر في هذه الليلة المغفور له الشيخ زايد مؤسس دولة الامارات الذى كان قائدا وحكيما وستشارك الولايات المتحدة شعب الامارات في تخليد ذكراه//.

وقال الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك // لقد فقد العالم رجل سلام لم يكف يوما عن نشر التوافق والمنطق والحوار في منطقة مزقتها الازمات والنزاعات وسيبقى اسمه ملاذا لقضية السلام والتنمية في الشرق الاوسط التي كرس لها حياته//.

وكان الشيخ زايد السياسي المحنك الذي لا يبارى.. رأب صدع الأمة العربية وعضد أشقاءه فصار حكيم العرب والرجل الاستثنائي لكل المواقف.

وشكلت دائما القضايا العربية محورا رئيسا في مبادئ الشيخ زايد "رحمه الله" ولا تزال الامارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" تسير على نفس النهج ويرتبط ذلك المحور بالمشروع الوطني لبناء الدولة الذي يرتكز على أسس ومنطلقات قومية في بناء الدولة الوطنية التي تأخذ في الاعتبار ثوابت وحدة المنطلقات السياسية والاقتصادية والفكرية التي تفضي إلى وحدة المنظومة المجتمعية ضمن المشروع القومي العربي الشامل.

وانطلاقا من هذا الايمان بوحدة المصير والهدف عمل الشيخ زايد بتفان واخلاص مع اخوانه قادة دول الخليج العربية حتى أعلن في 25 مايو عام 1981 من مدينة ابوظبي عاصمة دولة الامارات عن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وطوال 22 عاما ظل الشيخ زايد يدعم ويبارك مجلس التعاون الذي كان يؤمن بأنه خطوة مهمة لدعم التآزر والتعاون المشترك بين دول الخليج العربي من أجل تحقيق طموحات شعبها فضلا عن كونه رافدا للامة العربية باسرها.

ولم يتردد يوما عن دعوة العرب الى التصالح والتآزر واصلاح ذات البين وصيانة العمل العربي المشترك بقوله ان صاحب البيت أو السفينة يحتاج الى الصيانة ولابد من صيانة الجسد العربي في مواجهة التحديات وكم كانت سعادة الفقيد الراحل غامرة حين تقرر في عام 2000 عقد القمة العربية بصفة دورية قائلا: // ان لقاء القادة العرب خير من تباعدهم وتفرقهم//.

وللشيخ زايد "رحمه الله" العديد من المواقف التاريخية المشرفة ومنها دعم مصر وسورية في حرب اكتوبر 1973 وبادر باستخدام سلاح البترول في المعركة بمقولته الشهيرة: //ان البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي//..

ودعمه للبنان في محنته ابان الحرب الاهلية اللبنانية وقوله: //ارفعوا ايديكم عن لبنان// واستمراره في تقديم الدعم للاقتصاد اللبناني بعد الحرب.

كما كانت دولة الامارات في مقدمة الدول التي دعمت الكويت وشاركت القوات المسلحة في حرب تحرير الكويت عام 1991 وفي قوات حفظ السلام في الصومال والبوسنة والهرسك وكوسوفا فضلا عن الدعم المتواصل للقضية الفلسطينية والبنية التحتية للشعب الفلسطيني والمبادرة الى دعم الشعب العراقي بعد سقوط النظام السابق لمساعدته على استرداد عافيته واعادة بناء بلده.

واستندت السياسة الخارجية للدولة التي وضع مرتكزاتها الشيخ زايد الى مبادئ حسن الجوار والتفاهم وعن ذلك يقول رحمه الله : // الحقيقة اننا نسعى دائما ان تكون علاقاتنا مع جيراننا قائمة على اساس من التفاهم التام والروابط الاخوية القوية المتينة و لا يمكن ان نسعى في يوم من الايام الى ما يسيء الى اصدقائنا أو جيراننا .. واذا كان هناك أي نزاع أو سوء تفاهم بيننا وبين جار لنا أو صديق أو شقيق فأننا نتجه دائما الى الله ونطلب منه ان يلهمنا الصبر والقدرة على ان نصل مع الصديق أو الشقيق والجار الى تفاهم يفيد الطرفين دون اللجوء الى ما يضر بمصالح البلدين أو يقودهما الى النزاع المسلح//.

ونبذ المؤسس الراحل أشكال التعصب والكراهية والإرهاب ورفض بشدة ربط الإرهاب بالإسلام وقال في كلمته في الأول من ديسمبر 2003 بمناسبة اليوم الوطني الثاني والثلاثين..// إننا نؤكد أن لا الشرائع السماوية ولا القانون الدولي ولا شرعية حقوق الإنسان تعطي أي مبرر لممارسة الإرهاب وأن أية محاولة لاستخدام الدِّين لتبرير هذه الأعمال محاولة خاطئة من أساسها لأنها تنافي كل الأسس والمبادئ والقيم والتعاليم الدينية والإنسانية //.. وأضاف // إننا نرفض بكل شدة الدعوة إلى الكراهية والعنف ونشر الفرقة بين شعوب العالم وسنواصل طريقنا في دولة الإمارات للمحافظة على مجتمعنا المتجانس والموّحد المتمسك بقيمه وتراثه والمنفتح على العالم والمتفاعل مع ثقافاته وإبداعاته//.

وكان الشيخ زايد يؤكد دائما أن دين الإسلام هو دِين المحبة والغفران والتسامح والرأفة وأن المسلم لا يجوز أن يقتل أخاه مسلما كان أو غير مسلم..

ووفق منهجه الثابت والعادل دعت دولة الإمارات في كل المحافل الدولية إلى ضرورة نزع أسلحة الدمار الشامل من أجل ضمان سلامة واستقرار البشرية.

وها هي قوافل الإماراتيين تجوب المعمورة للتعريف بهذه المدرسة الفريدة في هذا الزمن.. فعززت هذه الانطلاقات الوجود الإماراتي في مختلف الأقاليم والبلدان فصار يمشي وهو واثق الخطى ويهرول وهو مرفوع الهامة ويحلق كحمامة سلام وسط هذه الأجواء المشحونة والتي تعج بالأزمات والحروب.. إنهم تلامذة تتلمذوا علي يد مؤسس ومعلم فذ.. إنه الشيخ زايد..