حاكم الشارقة يستقبل الإعلاميين ويقدم محاضرة بعنوان "جذور أدب اللغة العربية"

حاكم الشارقة يستقبل الإعلاميين ويقدم محاضرة بعنوان "جذور أدب اللغة العربية"

الشارقة (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 30 مايو 2018ء) قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة إن الحركة الثقافية في منطقة شبه الجزيرة العربية كان مركزها مدينة "الرها" حيث مهد الأدب الآرامي في الفترة ما بين 132 ق.م إلى 216 م وكان يقطنها الآراميون والأنباط وقد بحثوا في كل علوم اللغة من بيانٍ وصرفٍ ونحو وخطابةٍ وشعرٍ، كما بحثوا في علوم المنطق، والفلسفة، والرياضة والعلوم الطبيعة، والفلكية وعلم المساحة والطب وعلم الأخلاق، والتاريخ والجغرافيا والموسيقى وفي فن القصص.

وأضاف أنه من هنا بدأ المركز الأساسي الذي نبعت منه كل اللغات، وكانوا الأنباط يرسلون الرسائل عن طريق الشعر الى معارفهم وجيرانهم، يخبرونهم فيها عن حماستهم وشجاعتهم وأحوالهم.

وأكد سموه بأن كلمة شعر تعني: خبر وعلم، وهي كلمة أشتقت لهذا التركيب من الأبيات، وشعرٌ نبطي تعني: جاءنا خبر وعلمٌ نبطي، والأنباط نقلوا تلك الصورة بالتقسيمات التي كانت موجودة في الأوزان وكذلك في البحور الشعرية، وهو ما شكّل الأساس الذي يرجع له أصل الشعر النبطي الذي تكوّن في مكة والمناطق الأخرى.

وبين سموه أن الثقافة ليست مؤقتة، وليست مستوردة، الثقافة استنباط من الإنسان الذي يبقى على الأرض، والثقافة بدورها تستنبط من الإنسان، وتعطيه مفاتيحها.

جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها صاحب السمو حاكم الشارقة خلال استقبال سموه مساء أمس نخبة من الإعلاميين من مختلف إمارات الدولة والتي جاءت بعنوان "جذور أدب اللغة العربية" وذلك في مسرح المجاز التابع للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وبحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مجلس الشارقة للإعلام، والشيخ خالد بن صقر القاسمي رئيس هيئة الوقاية والسلامة، معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير دولة رئيس المجلس الوطني للإعلام، وسعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، وسعادة علي إبراهيم المري رئيس دارة الدكتور سلطان القاسمي، وسعادة الدكتور خالد عمر المدفع رئيس مدينة الشارقة للإعلام، وسعادة محمد عبيد الزعابي رئيس دائرة التشريفات والضيافة، وسعادة محمد حسن خلف مدير عام مؤسسة الشارقة للإعلام، وسعادة طارق سعيد علاي مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.

وقال سموه في مستهل حديثه // إذا نظرنا إلى اللغة العربية، نجدها وكأنها تنبع من الصحراء، صحراء خالية، ومنْ فيها رُحّلْ، والرُحّلْ لا نعلم لهم ثقافة، فالثقافة، كما هو معروف، تأتي من الاستقرار، والمدن التي تكون عبارة عن حاضِرة، وهي تعني الملتقى. ولذا لابد أن نبحث في كيفية مجيء هذه اللغة العربية الدقيقة في تصريفاتها وتركيباتها. والتي إذا نظرنا فيها، نجد أن من بعض ما يلفت النظر، أنها تتجمع في شكل حروف معينةٍ لتعطي مدلولاً واضحاً، مثال: نقول : هذه ساحة، وفناء البيت : باحة، وهذه مساحة، وفي وسط الصحراء: واحة. وكذلك في مضمون الكلمات، نقول في معاني عبارة "أشياء لا تزول" : الوسمْ، والوشمْ، والرسمْ، والرشم، والبصمْ، ويُضافُ إليهم : الوصمْ، وهو العارُ الذي لا يزول. كل ذلك يجعل عند الباحث في اللغة العربية قناعةٌ بأنها لم تأتِ من فراغ، ولابد أن تكون لها جذورٌ عميقة، تجمعت لتعطي كل هذا التنوع الواسع في الشكل والمعنى والمضمون//.

وتابع سموه سرده التاريخي قائلاً // تتُّبع جذور أدب اللغة العربية، عبارة عن رحلة طويلة في التاريخ وفي تنقلات الجماعات في المناطق المختلفة، تبدأ من العام 1800 ق. م، حيث خرج سيدنا إبراهيم الخليل من بلدة أور تل المقيّر، ومما عرف عنه كثرة التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى، بعدها رحل إلى بلدة تسمى حرّان تقع إلى الشمال، كانت موطن الصابئة الذين كانوا يعبدون النجوم والقمر والشمس، وهي عبادة لم تُقنع سيدنا إبراهيم، فخرج مسافراً مرة أخرى إلى فلسطين، حيث استقر هناك عند البحر الميت مع ابن أخيه سيدنا لوط عليه السلام، والذي أصبح نبياً هو الآخر فيما بعد. حدث بعدها أن خسف الله سبحانه وتعالى الأرض ببلدة سدوم ومعها بعض القرى كعمورية، كان يسكنها قوم يُقال لهم المؤتفكة، أي أصحاب الإفك //.

وأكمل سموه قصة سيدنا إبراهيم الخليل، وإسحق ويعقوب وأبناءه ومنهم يوسف وأخوه عيسى الذي رحل عن إخوانه للابتعاد من شرورهم، إلى جانب قصة أبناء سيدنا إسماعيل الاثني عشر من زوجاته الثلاث من عوائل جهرمية من مكة، وهم : نبط وقيدور وإخوانهم، وكذلك أبناء نبط وقيدور وإخوانهم، ويقال لهم الإسماعيليون.

وسرد سموه قصة الإسماعيليين الذين انتقلوا من مكة إلى منطقة أيلة كان بها يوسف وهو ابن سيدنا يعقوب عليه السلام الذي طرده إخوانه، وكذلك أبناء شقيقه، إلى جانب القادمين من الإسماعيليين. ومن هذه المنطقة انتشر هؤلاء، حيث رحل أبناء قيدور إلى دومة الجندل واستقروا بها، بينما رحل أبناء نبط إلى البتراء واستقروا هناك. ويرجع أصل تسمية البتراء، وكانت في البداية لفظ نبطي، ولكن التسمية لاحقاً أخذت الاسم الإغريقي، وتعني الصخر في اللغة اليونانية.

وتحدث سموه عن قصة رمي سيدنا يوسف عليه السلام في البئر، والمكان الذي أخذوه إليه يسمى دوثان، حيث لم يذكر القرآن الكريم من هم الأشخاص الذين اشتروه، بينما في سفر التكوين من الكتاب المقدس، الإصحاح 25، تم ذكر أن جماعة من مَدينْ تتاجر مع الشمال، وتمر من عند البئر هم الذين أخذوا يوسف، بينما في الإصحاح 26 يُذكر أن إسماعيليين من جلعاد، وهي آخر المرتفعات في جبال الأردن هم الذين اشتروه، أي أصحاب السيّارة، كما يذكر القرآن الكريم، وهم جماعة ينقلون البضائع من الخليج إلى مصر بغرض التجارة، وأخذوا يوسف بعد أن اشتروه من تجار مدينيّين.

وتابع سموه مبيناً اختلاف الروايات في أصل الأقوام الذين أتوا إلى المنطقة // في هذه البقعة /البتراء/ كان يتواجد أنباط، وهناك أقوام أتوا من بلاد الرافدين وسكنوا في منطقة تسمى إِرَمْ، وهي تعني الأرض المرتفعة، وهناك قولٌ بأنهم جماعات من الساميين من جنوب العراق اتجهت إلى الفرات الأعلى وسكنت هناك، بينما يقول آخرون أن جماعة من الصحراء السورية باتجاه مصر نزحت من الشمال باتجاه الحدود الغربية، بينما يذهب آخرون إلى أن أقواماً من شبه الجزيرة العربية نزحوا من هناك //.

وواصل سموه قائلاً // تبيّن أن الأراميين قومٌ دفعت بهم الإمبراطورية الآشورية في ذلك الوقت، ليستقروا هناك، حتى لا يأتي الرومانيون بأقوام من الشمال من عندهم، وهو الرأي الراجح والصحيح. ونجحت الإمبراطورية الآشورية في تكوين دويلات كان أهمها في دمشق، حيث تكون فيها مجتمعُ ثقافي سياسي اقتصادي، وبدأ أول تكوين للحضارة الأولية، حيث كان يطلق عليهم تسمية الرحّل في بلاد فارس ومصر والعراق. وتكونت في دمشق أول نقطة تسمى مركز المدينة، وكانت ملتقى تجاري وثقافي، وبدأ المجتمع يتحضر بدلاً من أن يتنقل، وبقوا حاضرين هناك حتى قضت الإمبراطورية الآشورية سنة 612 ق.م على دويلات الآراميين لأنهم خرجوا عن سيطرتها، وذلك بعد أن شنت عليهم عدداً من الهجمات خلال أعوام: 856 ق.م، و740 ق.م، و740 ق.م، و733 ق.م، إلى عام 586 ق.م وهو الهجوم الذي أزاحهم وقضى أيضاً على اليهود الذين كانوا متواجدين هناك بقيادة "نبوخذ نصر" وبذلك انقرضت الدويلات الآرامية //.

وتحدث سموه عن الوجود التجاري في البتراء، حيث تواجد الأنباط، وإن كانوا بدون سلطة، بعد أن فقدوها وظلوا يمارسون التجارة. كما أنهم، أي الأنباط، تكونت لديهم نوع من السُّلطة بعد إزاحة التأثير الآشوري والذي قضى عليه الإسكندر الأكبر، حيث كان هناك فراغ كبير ملأه الأنباط.

وبين سموه تفاصيل قوة الأنباط وقدرتهم على هزيمة حملة القائد أنتيغونس السلوقي المقدوني عام 312 ق.م والذي جاء لغزو مصر بعد أن أكمل احتلال بلاد فارس والعراق، ولكن حملته اصطدمت بالأنباط، حيث انتحر أنتيغونس هو وجيشه في المعركة التي شهدتها البتراء، ولكن الحكم السلوقي بقي، حيث واصلت سلالة أنتيغونس من الأبناء هيمنتهم على الحكم، لتصبح هناك قوتان هما: الأنباط والآراميون من جهة، والمقدونيون الذين جاءوا من الشمال من الجهة الأخرى.

وواصل سموه قائلاً // وفي غفلة من الزمن، حدث خروج في الدولة التي تكونت من السلوقيين، حيث تكونت مجموعة من الآراميين ومعهم الأنباط رحلوا إلى الشمال وبنوا مركزاً أسمه الرها /وهي مهد الأدب الآرامي 132 ق.م – 216 م/ مثلت المطبخ الرئيس والأساسي لكل اللغات والعلوم حيث تكونت الآرامية وتطورت، والنبطية التي نالت حظاً من التطور أيضاً. وكانت الرها مدينة متقدمة لديها أسوار وأبواب، وبها أنهار، وكانت قبلة للتجارة تتهافت عليها بلاد فارس والإغريق واليونان //.

ووصف سموه الحركة الثقافية في مركز الرها قائلاً // كان أهل الرها من الآراميين والأنباط قد بحثوا في كل علوم اللغة من بيانٍ وصرفٍ ونحو وخطابةٍ وشعرٍ، كما بحثوا في علوم المنطق، والفلسفة، والرياضة والعلوم الطبيعة، والفلكية وعلم المساحة والطب وعلم الأخلاق، والتاريخ والجغرافيا والموسيقى وفي فن القصص. ومن هنا بدأ المركز الأساسي الذي نبعت منه كل اللغات //.

وعن مقاربة الأدب في تلك الفترة، ودلالات جذوره في اللغة العربية، قال سموه // الأدب في ذلك الوقت كان يتمثل في القصيدة والأغنية. وكانت القصيدة عند الآراميين والأنباط في مركز الرها عبارة عن خطاب شعري بأسلوب قصصي حماسي، يتألف من أشعار ذات وزنٍ واحد، وهو شبيه بما لدينا الآن، بينما بحور الشعر أو الأوزان فقد كانت ثلاثة، وهي نفس بحور القصيدة العربية، كما لديهم التشطير أيضاً. وكانت الأغنية لديهم أصلها تراتيل وتمثل النوع الغنائي، والبحور فيها من 4 إلى 10 مقاطع، ولكن المدهش هو وجود تكرار وتدوير في الشطر الأول الذي يتكرر عند كل فاصلة وهو نفس الموجود لدينا. وتوجد قصيدة مكتوبة باللغة الآرامية كوثيقة //.

وواصل سموه مفصّلاً طريقة انتقال الأدب من مركز الرها إلى شبه الجزيرة العربية // أخذ الأنباط الحضارة من مركز الرها بعد أن أزيلت بعد قضاء الإمبراطور الروماني تراقان عليها سنة 106 م، بعد هجومه على المنطقة التي أزاح منها الأنباط نهائياً، حيث رجعوا إلى موطنهم مكة، مستدلاً سموه بشرح الآيات الثلاث الأولى في مقدمة سورة قريش /لإيلاف قريش* إيلافهم* رحلة الشتاء والصيف/ حيث بيّن سموه أن معنى الآيات الكريمة هو : ألفنا قريش، أي ألفنا بينهم، وإيلافهم تعني جمعُ اثنان من هنا وهناك.

وأخذوا التجارة كمهنة في رحلة الشتاء والصيف لأنهم أدرى بالشام وبالتجارة //.

وعن علاقة الأنباط بالشعر وتطور أهدافه واستخداماته شرح سموه قائلاً // كان الأنباط يرسلون الرسائل عن طريق الشعر الى معارفهم وجيرانهم، حيث امتدوا الى الجزيرة العربية وليس الشمال، يخبرونهم فيها عن حماستهم وشجاعتهم //.

وعن أصل الشعر النبطي أشار سموه إلى أن كلمة شعر تعني: خبر وعلم، وهي كلمة أشتقت لهذا التركيب من الأبيات، وشعرٌ نبطي تعني: جاءنا خبر وعلمٌ نبطي، والأنباط نقلوا تلك الصورة بالتقسيمات التي كانت موجودة في الأوزان وكذلك في البحور الشعرية، وهو ما شكّل الأساس الذي يرجع له أصل الشعر النبطي الذي تكوّن في مكة والمناطق الأخرى.

وعرج سموه على ذكر الحَواضِر وهي المدن والأماكن التي كانت تصنع الثقافة، مشيراً سموه إلى دور الملوك الكبيرة في الاحتفاء بالشعراء وتحفيزهم، منذ أيام الملك المنذر ملك الحيرة الذي جعل من عاصمته الحيرة ملتقى دائم للشعراء في ذلك الوقت، مع أن الشعر ارتبط بالعائلة الملكية وعندما انتهت انتهى كل شيء.

واختتم سموه محاضرته القيّمة قائلاً // الثقافة ليست مؤقتة، وليست مستوردة، الثقافة استنباط من الإنسان الذي يبقى على الأرض. الثقافة بدورها تستنبط من الإنسان، وتعطيه مفاتيحها //.

وقد أعلن صاحب السمو حاكم الشارقة عن قرب إصدار سموه لكتاب جديد يحوي المحاضرات القيّمة التي قدمها سموه خلال السنوات الماضية، والتي تناولت تاريخ ولغة وتراث وأدب الأمة العربية، إلى جانب تاريخ المدائن القديمة وصولاً إلى تاريخ صدر الإسلام، إلى جانب كتب أخرى. جاء الإعلان في معرض رد سموه على سؤال قدمه أحد الحضور أشار فيه إلى أهمية طبع ونشر محاضرات سموه لفائدتها الكبيرة وندرتها وقيمتها العلمية والأكاديمية العالية.

وأكد صاحب السمو حاكم الشارقة أهمية الالتفات إلى دعم وضرورة العناية بمراكز التوثيق والمخطوطات المتخصصة لما لها من أهمية في حفظ تاريخ وجغرافيا وتراث وأدب الشعوب، مشيراً سموه، إلى أنه بدأ الاشتغال على البحوث منذ أكثر من 30 عاماً وهو ما أتاح لسموه الاطلاع على الكثير من المعلومات الحقيقية عبر مراكز البحوث.

كما أكد سموه خلال الإجابة على سؤال يتعلق باهتمام سموه بالبحث في التاريخ، وأهمية دراسة وقراءة التاريخ لجيل الشباب، أن الأهم ليس التركيز على التاريخ، بل التركيز على ما يحمله التاريخ ويؤكده من حقائق، لافتاً سموه إلى أنه يجب إعادة كتابة التاريخ لأنه أحياناً يكتب على حسب السُلطة الموجودة. وقال سموه أن تزييف التاريخ موجود، والفرق كبير بين /قال/ و/قيل/.