خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

مكة المكرمة / المدينة المنورة (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 29 يونيو 2018ء) أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله حق تقاته والإنابة إليه وطلب مرضاته.

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام " إنَّ صلاحَ حال المرء، واستقامةَ أمره، وسدادَ نهجه، وعلوَّ كعبه، ورُقيَّ شأنه، وطِيبَ حياته، وحُسنَ عاقبته، متوقِّفٌ على صلاح عضوٍ في جسده، مُرتهنٌ بطهارته ونقائه، منبعثٌ من صِحَّته وسلامته ذلك هو القلب، الذي أخبر رسول الهدى-صلوات الله وسلامه عليه- عن عِظَم شأنه، وعُمق أثره، وقوَّة سلطانه، بقوله-صلى الله عليه وسلم-: أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ؛ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ؛ فَسَدَ الَجسَدُ كُلُّه، أَلَا وَهِيَ الْقَلْب . الحديث . وهو دليلٌ بيِّنٌ على أنَّ صلاحَ القلب رأسُ كلِّ خيرٍ ينعَمُ به العبدُ، وأنَّ فسادَه رأسُ كلِّ شرٍّ يَبْأسُ ويشقى به.

وأضاف الشيخ خياط يقول " إنَّه حين يكونُ القلب سليمًا ليس فيه إلا محبَّةُ الله تعالى ومحبَّةُ ما يحبُّه الله، وخشيتُه سبحانه وتعالى وخشيةُ التردِّي فيما يُبغضه؛ فإنَّ حركات الجوارح كلَّها تصلح عندئذٍ، وينشأ عن ذلك في نفس صاحبها باعثٌ يبعث على اجتناب المحظورات، والتَّجافي عن المحرَّمات، واتِّقاء الشُّبُهات؛ مخافةَ الوقوع في هذه المحرَّمات. وحينَ يكونُ القلبُ فاسدًا مُتَّبعًا لهواه، معرضًا عن مرضاة مولاه؛ فإنَّ حركاتِ الجوارح كلَّها تفسُد حينئذٍ، وتنحرفُ بصاحبها، وتحيدُ به عن الجادَّة، وتصرفه عن الحقِّ، وتصُدُّه عن سبيل الله، وتحمله على التلوُّث بأرجاس الخطايا، والولوغ في المشتبهات.

وأوضح فضيلته، أن استقامة القلب سببٌ لاستقامة الإيمان، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ . - الحديث - ،مبيناً أن استقامة الإيمان إنَّما تكون باستقامة أعمال الجوارح، التي لا تستقيم إلا باستقامة القلب، ولا يستقيم القلبُ إلا حين يكون عامرًا ممتلئًا بمحبة الله ومحبة طاعته، وكراهة معصيته، ولا يتحقق له هذا إلا حين يكون القلبُ قائمًا بعبوديَّته لله تعالى، هو ورعيَّته-أي الجوارح- بالقيام بما يجب عليه، وبترك ما يحرم عليه.

وقال " أمَّا ما يجب على القلب من أعمال، فمثل الإخلاص لله، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والمحبة له، والاستعانة به، والخضوع والانقياد له، والخوف والرجاء، والصَّبر والتَّصديق الجازم، أمَّا ما يحرُم عليه؛ فهو الكفر: كالشكِّ، والنِّفاق، والشرك، وتوابعها والمعصية: كالرياء، والعُجب، والكِبر، والفخر، والخُيَلاء، والقُنوط من رحمة الله، واليأس من رَوْح الله، والأمنُ من مكر الله، والفرح والسُّرور بأذى المسلمين، والشماتة بمصائبهم، ومحبَّة أن تشيع الفاحشة فيهم، وتوابع هذه الأمور التي هي كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله : أشدُّ تحريمًا من الزِّنا وشُرب الخمر، وغيرهما من الكبائر الظاهرة، وهذه الأمور ونحوها قد تكون صغائر في حقه، وقد تكون كبائر بحسب قوتها وغِلَظها وخِفَّتها ودقَّتها. ومن الصغائر أيضًا: شَهوة المحرَّمات وتمنِّيها، دون مواقعتها.

وأكد الشيخ خياط ،أن هذه الآفات إنَّما تنشأ من الجهل بعبوديَّة القلب، وترك القيام بها؛ فإذا جهلها-أي جهل ما يجب على القلب من الإخلاص والتوكُّل والإنابة وغيرها- امتلأ بأضدادها ولا بُدَّ، وبحسب قيامه بها يتخلَّص من أضدادها» انتهى كلامه رحمه الله.

وأبان أن من أعظم الأدوية لأمراض القلب - من شبهةٍ أو شهوةٍ- الاستمساكُ بكتاب الله تعالى، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاعتصام بهما، والاهتداء بهديهما، والعمل بما جاء فيهما، والتحاكم إليهما في الجليل والحقير، وكذلك منها: دوامُ ذكر الله تعالى، والضَّراعة إليه، وسؤاله أن يُثبِّت القلوب على دينه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر في دعائه أنْ يقول: اللهُمَّ مُقلِّبَ الْقُلُوبِ؛ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه بإسناد صحيح.

وأضاف أن من الأدوية كذلك: الاجتهادُ في الطاعات الظاهرة والباطنة، وترك المحرَّمات الظاهرة والباطنة، ومن أعظمها ضررًا النظرُ إلى الحرام الذي هو دَاعِيَةٌ إلَى فَسَادِ الْقَلْبِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: النَّظَرُ سَهْمُ سُمٍّ إلَى الْقَلْبِ؛ فَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ كَمَا أَمَرَ بِغَضِّ الْأَبْصَارِ الَّتِي هِيَ بَوَاعِثُ إلَى ذَلِكَ، والزكاة هي: التقوى والطَّهارة والنَّقاءُ، فمن تزكَّى؛ فقد أفلح، فدخل الجنَّة والزَّكاة متضمِّنةٌ حصول الخير ودفع الشر، فإذا حصل ذلك، أورث المتزكِّي نورًا وهدى وبصيرةً نافذةً، ومعرفةً، وقوَّةً في القلب، وثباته، وإقدامه. وذلك كله من أظهر وأجلِّ فوائد غض البصر عما حرَّم الله.