غياب الاهتمام بالعلوم الأساسية في المنطقة العربية من أسباب تأخر النهضة - عالم مصري

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 14 اكتوبر 2020ء) مصطفى بسيوني. يعاني العالم العربي كما الدول النامية من تأخر في مجال الابتكارات والعلوم والتكنولوجية، وقد أظهر تصنيف مؤشر نايتشر للأبحاث العلمية لعام 2020، تقدّم المملكة العربية السعودية على الدول العربية في حصة البحث العلمي، حيث تعد الدولة الوحيدة إلى جانب الإمارات اللتين دخلتا قائمة الـ50 العالمية لأكثر الدول حصةً في الأبحاث العلمية​​​.

ويَعتبر عالم الفيزياء المصري، أستاذ الفيزياء في الجامعة الأميركية عادل عوض، والحاصل على جائزة الدولة في العلوم، في مقابلة مع وكالة سبوتنيك، أن أحد أسباب تأخر النهضة في المنطقة العربية هو عدم الاهتمام بالعلوم الأساسية، والاكتفاء بنتاج التكنولوجيا.

ويقول عوض "للأسف في المنطقة العربية ومصر هناك عدد قليل من الباحثين في مجال الفيزياء الكونية مثلا، لا يتجاوز خمسة أو ستة في كل بلد عربي كبير. أربعة إلى خمسة في مصر وثلاثة إلى أربعة في سوريا، كذلك في تونس والجزائر والمغرب، أعداد قليلة، والمشكلة أنه لا يوجد اهتمام بما يمكن أن نسميه العلوم الأساسية في العالم العربي، وهو ما ينعكس على العلوم والمعرفة بشكل عام".

ويضيف "القائمون على عملية التعليم والبحث العلمي لا يتوافر لديهم فهم لأهمية العلوم الأساسية لنهضة البلاد، العلوم الأساسية هي المخزون المعرفي، سواء للعلوم النظرية أو التطبيقية، من خلال العلوم الأساسية يمكن فهم النظريات والظواهر التي يمكن استخدامها لإنتاج تكنولوجيا جديدة أو اختراع جديد، للأسف هذا مفقود في العالم العربي".

ويرى عوض أن هذا يأتي نتيجة المفهوم الخاطئ للنهضة العلمية، "النهضة العلمية ليست مجرد اختراعات أو تطبيقات. الموبايل والآيباد هذه منتجات في نهاية عملية ترجمة العلوم لتكنولوجيا، في البداية هناك المعرفة النظرية التي توفرها العلوم الأساسية، ثم المعرفة التطبيقية، والنظرية والتطبيق يلتقيان في علوم مثل الفيزياء، للأسف الجانب النظري لدينا ضعيف، وحتى الجانب التطبيقي بسبب الموارد والإمكانيات".

ويلفت العالم المصري أن العلوم النظرية تحتاج موارد أقل، ودول مثل الهند والبرازيل ضربوا مثل هام في الاهتمام بالعلوم النظرية رغم مواردها المحدودة "وأصبحت الهند والبرازيل ضمن الدول العشر الأولى في العلوم النظرية".

ويقدم عوض بعض الأمثلة في صنع النهضة قائلاً، "قطعنا أشواط في التقدم التكنولوجي على طريقة القفزات في القرن التاسع عشر في عهد محمد علي (حاكم مصر في القرن التاسع عشر ومؤسس العائلة المالكة التي حكمت البلاد حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952)، والذي أرسل البعثات العلمية لأوروبا في الطب والهندسة، ولكن ليس في العلوم الأساسية مثل الرياضيات والفيزياء مثلا. في اليابان مثلا اهتم الإمبراطور بالعلوم الأساسية ولهذا كانت النهضة اليابانية أكثر رسوخا. جمال عبد الناصر أيضا سعى لنهضة سريعة وكان الاهتمام منصبًا على تصنيع التليفزيون والسيارة وليس العلوم الأساسية، وهو �

�ا أنتج نهضة هشّة مع تطور نظم التصنيع في العالم تراجعت القدرة التصنيعية لمصر، لأننا امتلكنا تكنولوجيا الزمن السابق ولم نمتلك العلوم الأساسية القادرة على إنتاج تكنولوجيا كل عصر".

يُذكر أنّه باستثناء العالم المصري أحمد زويل والذي حاز على جائزة نوبل في الكيمياء في العام 1999 لم ينل أي عالم عربي هذه الجائزة المرموقة في مجال العلوم الطبيعية.

وبحسب عوض فإن الاستثمار في العلوم الأساسيّة هي استثمارات طويلة الأجل، "مثلا اكتشاف [العالم البريطاني مايكل] فاراداي للعلاقة بين المجال الكهربائي والمجال المغناطيسي أدى ذلك لاختراع الدينامو والموتور، وهو ما غير شكل العالم فيما بعد، فاراداي، لم يكن يسعى لاختراع الموتور، ولكن العلم النظري واكتشاف الظواهر أدى للاختراعات النهائية". ويضيف مثلاً آخر حول النظرية النسبية الخاص البسيطة، انطلق فيها أينشتاين من مبادئ فلسفية وليست فيزيائية، وأدت لتطورات هامة وتطبيقات غير عادية أهمها الطاقة النووية.

كما يلفت العالم المصري إلى كلام الرئيس الأميركي في نهاية الحرب العالمية الثانية هاري ترومان والذي قال إن "خط الدفاع الأول لأميركا في موجات الألمان هو الرياضيات"، لأن الرياضيين هم من تمكنهم من كسر شفرة الإرسال للنازيين ومواجهة الهجمات النازية، واعتبر أن دور علماء الرياضيات وقتها لا يقل، بل يزيد عن دور الجنرالات.

ويختتم عوض بالحديث عن دور المجتمع الذي هو الآخر يتجاهل قوة العلوم، ويقول "للأسف المجتمع، وليس الدولة فقط، غير مدرك لقوة العلوم، حتى الآن لسنا جزء من تطور العلم عالميا، حدث تسارع لدينا في النهضة ولكن لم نمر بالتسارع الفكري والعلمي الذي مرت به أوروبا في عصر النهضة، الاختصار الشديد والقفزات المعرفية لدينا لم ترسخ مفاهيم أساسية، لم نمر بسلسلة الأفكار التي ترسخ أن العلم ليس مجرد مجموعة أجهزة ولكن طريقة تفكير، يجب أن نفهم خطوات التقدم العلمي الحقيقي وليس التقدم التكنولوجي السريع".