خيبة أمل لبنانية تجاه القمة العربية: جهود دبلوماسية لاحتواء الفشل

خيبة أمل لبنانية تجاه القمة العربية: جهود دبلوماسية لاحتواء الفشل

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 18 كانون الثاني 2019ء) نظمت جامعة الدول العربية في تاريخها، 38 قمة عربية عادية واستثنائية وثلاث قمم اقتصادية، وذلك منذ القمة التأسيسية الأولى في مدينة الإسكندرية عام 1946، وتفاوت خلال هذه الفعاليات حجم المشاركة من قبل قادة الدول العربية، تبعاً للعلاقات الثنائية والمتعددة التي عرفها العالم العربي المثقل تاريخه بالصراعات، ليبقى، برغم ذلك ضمن الإطار المقبول للحفاظ على مستوى معيّن من العمل العربي المشترك.

لكنّ القمة العربية الاقتصادية التنموية التي يفترض أن يستضيفها لبنان، على مستوى مؤتمر القمة، بعد غدٍ الأحد، شكلت سابقة في هذا الإطار، حيث ما زالت تتوالى الاعتذارات من قبل قادة الدول العربية عن عدم المشاركة، ليستقر عدد المشاركين، حتى الآن، على الرئيسين الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والعراقي برهم صالح​​​.

وفي ظل هذا المشهد المخيب للآمال، ثمة خشية جدّية على مستوى الدبلوماسية اللبنانية أن يكون الرئيس اللبناني المضيف للقمة العماد ميشال عون مضطراً، في حال قرر نظيراه الموريتاني والعراقي الاعتذار عن الحضور، أسوة بباقي القادة العرب، لأن يترأس قمة لا رؤساء فيها، وفي ظل مستويات تمثيل متدنية، خصوصاً أن بعض الدول العربية اختارت إيفاد وزراء عاديين أو حتى موظفين حكوميين.

وانطلاقاً من ذلك، قاربت الجهات الرسمية هذه السابقة بمستويين، تمثل الأول في محاولة التقليل من التداعيات السلبية للغياب العربي على صورة لبنان، من خلال الاستمرار في الإجراءات التمهيدية للقمة الاقتصادية بشكل طبيعي، والإحجام عن التطرّق إلى مسألة تدني التمثيل إلى ما يقارب الصفر، وهو ما تطلّب بطبيعة الحال إحاطة الاجتماعات التمهيدية التي بدأت يوم أمس على مستوى كبار الموظفين، والتي ستستمر اليوم على المستوى الوزاري بحصار إعلامي، شكا منه الصحفيون الذين توافدوا منذ صباح الأمس، إلى المركز الإعلامي، الذي اختير أن يكون في مكان مختلف عن مكان انعقاد

الاجتماعات، في حين قال أحد الدبلوماسيين العرب لوكالة "سبوتنيك" إن "المساحة الإعلامية في القمة ستكون ضيّقة".

أما المستوى الثاني من المقاربة الرسمية لغياب الحضور، وهي الأهم، فتجري خلف الكواليس، وقد لاحت بوادرها، يوم أمس، بعد اللقاء الذي عقده الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط والرئيس اللبناني في القصر الرئاسي.

وفي محاولة للتقليل من أزمة تدني التمثيل، قال أبو الغيط، إن "شكل الحضور العربي لم يُحسم بعد"، مبدياً، في الوقت ذاته، "الإعجاب بالتنظيم اللبناني البالغ المهارة".

وقال مصدر دبلوماسي عربي لوكالة "سبوتنيك"، طلب عدم ذكر اسمه بالنظر إلى حساسية الموضوع، إنه "برغم إمكانية وضع حديث الأمين العام في سياق الخطاب الدبلوماسي، إلا أن ثمة جهوداً تبذل بالفعل لاحتواء أزمة التمثيل"، مقرّاً في الوقت ذاته بأن "المسألة معقدة للغاية، والكل في سباق مع الوقت".

وأضاف المصدر بأن "ثمة حزمة واسعة من الجهود يمكن أن تبذل خلال ما تبقى من وقت لانعقاد مؤتمر القمة (صباح الأحد)، وهناك خيارات متعددة، وهي تتراوح بين تكثيف الاتصالات الدبلوماسية لمعالجة أسباب تغيّب قادة الدول، أقلّه الذين أبدوا موافقة أولية على الحضور، وصولاً إلى اتخاذ قرار بتأجيل القمة، حفاظاً على ماء وجه التضامن العربي".

ورفض المصدر الدبلوماسي، في المقابل، الحديث عن سيناريو محدد بشأن القمة، لكنه أشار إلى أن الجهد الدبلوماسي "ربما يثمر تغيّراً إيجابياً في مسألة المشاركة"، قبل أن يضيف "للأسف، لا يمكنني توقع شيء من هذا القبيل".

وأشار المصدر الدبلوماسي إلى أن "التعقيدات تبقى كبيرة وهائلة، وهي تتجاوز واقعة العلم (قيام مناصري حركة "أمل" بإنزال العلم الليبي عن محيط القمة احتجاجاً على دعوة ليبيا لحضور القمة)، بل تتعداها إلى جملة قضايا إقليمية منها الملف السوري والموقف من حزب الله وغيرها من القضايا الخلافية".

من جهته، اعتبر نائب رئيس مجلس النواب اللبناني، إيلي الفرزلي، في حديث لوكالة "سبوتنيك" أن "تدني التمثيل العربي في قمة بيروت هو جزء من الضغوط الأجنبية على لبنان ولا مبرر آخر غير ذلك".

وأضاف الفرزلي بأن "كل الحجج التي يتم تناولها، والقول إن الغياب عن القمة سببه ما جرى في مسألة ليبيا ليس دقيقاً".

وأضاف "كل ما يجري سببه التدخل الأجنبي لممارسة ضغوط على لبنان كدولة من جهة، وعلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بسبب إرادته القوية وصموده في العدوان الإسرائيلي المبيّت".

وشدد على أن "وجه لبنان مصان، برغم ما جرى، سواء في عدم استسلامه لكل الضغوط الأميركية بشأن ترسيم الحدود، ومقاومته للعدوان الإسرائيلي".

ورفض الفرزلي الرد على كيفية تعامل لبنان مع هذه الأزمة، قائلاً "لا أستطيع أن أحدد ذلك في الوقت الحالي".

بدوره، قال النائب في "كتلة التنمية والتحرير"، الذراع البرلماني لحركة "أمل" محمد خواجة لوكالة "سبوتنيك"، "لقد حذرنا منذ البداية من تدني مستوى التمثيل لأسباب عدّة، أولها عدم وجود حكومة في لبنان، وقد أعطى ذلك ذريعة لبعض القادة العرب لتخفيض مستوى التمثيل؛ والثاني غياب سوريا عن القمة ما افقدها أهميتها لجهة القرارات التي يمكن أن تصدر عنها".

وأشار خواجة إلى أنه "لهذا السبب، فقد اقترحنا أن تؤجل القمة لشهرين، ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة، وحل إشكالية عدم اتخاذ قرار من الجامعة العربية بعودة العرب إلى سوريا وليس العكس".

وأضاف "لو تم الأخذ بنصيحتنا لكان مستوى الحضور مختلفاً، والنقاش في العمق مفيد أكثر والنتائج مختلفة".

ولم يستبعد خواجة وجود "كلمة سر" أميركية دفعت القادة العرب إلى اتخاذ قرار عدم المشاركة في قمة بيروت، مشيراً في هذا الخصوص إلى جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأخيرة على "حلفاء واشنطن" العرب.

وأوضح النائب اللبناني "يتبدى لنا وجود كلمة سر أميركية بمقاطعة لبنان بسبب خياره المقاوم لإسرائيل، وهو ما يؤكده التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي الأخير، الذي وصف لبنان بأنه أكثر جبهة مزعجة لإسرائيل".

ورفض خواجة ما يقال عن دور حركة "أمل" في التأثير على مستوى الحضور في القمة العربية، معتبراً أن "هذا التحليل في غير مكانه".

وأوضح خواجة أن "موقفنا من ليبيا ليس مستجداً، فهو مرتبط بقضية الإمام موسى الصدر، وما يمثله من رمز وطني، وكنا نعبر عن هذا الموقف في كل مناسبة".

وأضاف "لدينا موقف واضح من القوى الحاكمة في ليبيا، وليس من الشعب الليبي الشقيق، وصحيح أن هذه القوى الحاكمة ليست هي من أخفت الإمام موسى الصدر، ولكنها غير متعاونة في التحقيق للكشف عن مصيره ورفيقيه".

وتابع "نبّهنا إلى هذه المسألة منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وقلنا بأن دعوة وفد رسمي ليبي إلى القمة لن يمر، واقترحنا أن توجه الدعوة إلى المندوب الليبي في الجامعة العربية حصراً، ولكن الجانب الرسمي لم يتعامل بمسؤولية عالية مع هذا القضية الحساسة".

واستبعد خواجة أن تكون ردات الفعل الشعبية تجاه دعوة ليبيا هي السبب في المقاطعة العربية، متسائلاً "منذ متى اهتم العرب بمشاركة ليبيا في القمم العربية؟".