جنون الدولار والسياسة في لبنان.. انهيار بلا قعر

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 13 كانون الثاني 2022ء) يبدو لبنان على شفير انحدار اجتماعي واقتصادي ومالي وربما أمني، لا قاع له، يُعزّزه تدهور دراماتيكي في سعر عملته الوطنية التي لامست خلال الساعات الماضية الـ 33 ألف ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي الواحد، قبل أن تنخفض اليوم إلى حدود الـ 31 ألفاً من دون وجود ما يُبرر الصعود والهبوط، سوى حالة التخبط السياسي من جهة وعدم وجود مقاربات اقتصادية ومالية جدية حتى الآن.

ويأتي هذا التدهور عشية الدعوة إلى يوم غضب وإضراب عام وقطع للطرقات، على جميع الأراضي اللبنانية، بادرت إليه اتحادات ونقابات النقل البري، وهي دعوة تبدو قاصرة عن إشعال فتيل تحرك شعبي جدي وجامع ومستدام، يتصدى للأزمات التي تغرق فيها البلاد، بالنظر إلى طبيعة الاتحادات الداعية للتحرك، والتي تتبع بشكل أو بآخر لمرجعيات سياسية أو لعدد من أحزاب السلطة، ولا تتسم بطبيعة اجتماعية حقيقية.

وما يدفع إلى التشاؤم الذي يسود الشارع اللبناني، الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الاستهلاكية والمحروقات، في ظل تلويح بالدولرة الكاملة للأسعار، وذلك بجانب تراجع الآمال بقرب توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، من شأنه أن يوقف التدهور المتسارع.

كشفت مصادر لبنانية رسمية لوكالة "سبوتنيك"، أن صندوق النقد قد أبلغ لبنان بإلغاء زيارة وفد من الصندوق إلى بيروت في الحادي والعشرين من كانون الثاني/ يناير الحالي، والاستعاضة عنها بلقاء عبر تقنية "الزوم" لم يحدد موعده بعد.

وإن كان العنوان المعلن لهذا الإلغاء هو انتشار وباء كوفيد-19، فإن العارفين ببواطن الأمور يؤكدون أن الصندوق "مستاء من تخلف الحكومة اللبنانية حتى الآن عن وضع أي تصور بشأن الإصلاحات البنيوية والهيكلية المطلوبة لوضع لبنان على سكة الاستفادة من قروض الصندوق"، وفقا لمصادر.

وتتشعب الأسباب التي تؤدي إلى هذا الدوران في الحلقة المفرغة، لكن لعل أعمقها هو "طبيعة النظام اللبناني القائم على منطق الزبائنية وتوزيع المكتسبات" وفق ما يقول المحلل الاقتصادي منير يونس لوكالة "سبوتنيك".

ويرى يونس أيضا أن هذه المعضلة تبدو مستعصية على الحل، خارج إطار التفكير بتغيير النظام اللبناني برمته، كي يتحول إلى اقتصاد منتج يخضع للرقابة، ويتمكن من إنتاج الدولار وفق آلية داخلية (تعزيز الصناعة نموذجاً).

ويشير يونس الى عدة شروط يطلب الصندوق تنفيذها وتبدو صعبة التنفيذ بالنظر الى طبيعة التركيبة اللبنانية بينها، تحجيم القطاع العام، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يرتبط سياسيون لبنانيون كثر بأعمال فيه، والرقابة على ما سيقدمه الصندوق من أموال.

وقد شهد سعر صرف الدولار مقابل الليرة خلال الأشهر الأربعة من عمر حكومة نجيب ميقاتي، ارتفاعاً كبيراً بلغ نحو ضعفين ونصف. فمع تشكيل حكومة ميقاتي خلفاً لحكومة حسان دياب أوائل أيلول/سبتمبر الماضي، انخفض سعر الدولار من 15 ألف ليرة إلى حدود الـ 13 ألفاً، قبل أن تفلت الأسعار من عقالها مجدداً وصولاً إلى تجاوز عتبة الثلاثة وثلاثين ألف ليرة أمس (الثلاثاء).

وأرجع خبراء اقتصاديون التراجع يومها إلى الثقة التي ولدتها الحكومة الجديدة، وهو عامل سرعان ما تبدد.

فلم يف الحكومة الجديد نجيب ميقاتي حتى الآن على الأقل بثلاثة وعود قطعها للبنانيين؛ إنجاز اتفاق مع صندوق النقد قبل نهاية العام، تأمين 10 إلى 12 ساعة من التغذية بالتيار الكهربائي، وانجاز البطاقة التمويلية، فضلاً عن انخفاض قيمة الليرة بشكل دراماتيكي غير مسبوق في تاريخ لبنان منذ الاستقلال.

وأوضح وزير لبناني سابق رفض الكشف عن اسمه لـ"سبوتنيك" أن من أبرز أسباب انهيار العملة الوطنية في لبنان، صعوبة ضبط المنصات الإلكترونية التي تحدد سعر الدولار بشكل عشوائي ووهمي، من دون أن يكون مستنداً إلى معطيات حقيقية. وقد عجز لبنان حتى الآن عن ضبط عمل هذه المنصات، نظراً لأن معظمها موجود خارج أراضيه (في تركيا واليونان ودول أوروبية.

فيما صرح مسؤول أمني لبناني لوكالة "سبوتنيك"، أن الأجهزة الأمنية في لبنان تحركت مرات عدة لدى هذه الدول لمساعدته في وقف عمل المنصات المشبوهة، لكن من دون جدوى حتى الآن.

وأوضح أن ذلك يؤدي إلى انتشار أعمال المضاربة غير المشروعة التي يمارسها تجار وصرافون نظاميون وغير نظاميين على الليرة اللبنانية، من دون أن تتمكن السلطات من وقفها.

ويضيف الوزير اللبناني السابق أن من بين الأسباب، أيضاً هو تحكم نظام العرض والطلب بالسوق، وقال "مع إلغاء إجراءات الدعم عن السلع الأساسية كالمحروقات، الأدوية، السلع الغذائية، وربما القمح خلال فترة قريبة، بات المستوردون والتجار يلجؤون إلى السوق السوداء لتأمين الدولار لشراء منتجاتهم من الخارج".

وتابع "يكفي معرفة أن المصرف المركزي كان يؤمن من احتياطه نحو 500 مليون دولار شهرياً لاستيراد هذه المواد قبل أن تطبق سياسة رفع الدعم، لتقدير حجم الطلب المستجد على الدولار الأميركي.".

من جانبه يرى المحلل الاقتصادي منير يونس أن تطبيق الإصلاحات الاقتصادية "يؤدي بنظر الأطراف السياسية إلى تفكك المنظومة التي تحميهم ويحمونها".

ودخل لبنان على مدار العقدين الماضيين عشرات المليارات من الدولارات، ولا زال يعاني من أزمة اقتصادية كبيرة، حيث أمنت مؤتمرات باريس الثلاثة الأولى التي بدأت عام 2001، نحو 7 مليارات دولار على شكل قروض وتسهيلات مالية، فيما خسر لبنان بسبب مناكفات سياسية أو تخلف عن الإصلاحات فرصة الحصول على 11 مليار دولار وعدت بها دول مانحة خلال مؤتمر باريس 4 عام 2018.

ويعيش لبنان أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة، مستمرة منذ شهور، جراء نقص السلع الأساسية والوقود والكهرباء والأدوية، حيث تسعى حكومة نجيب ميقاتي إلى وضع خطة لإنقاذ الاقتصاد مع البنك الدولي حيث وصف البنك الأزمة في لبنان، بأنها الأسوأ على المستوى العالمي منذ قرن ونصف قرن، وباتت معها احتياطيات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية بالكاد تكفي الحد الأدنى من الاحتياطي الإلزامي.