لبنان 2021..​​​. شبح الانهيار ينذر بانفجار اجتماعي

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 31 ديسمبر 2020ء) ليل رأس السنة 2019-2020، أنهى اللبنانيون عاماً مليئاً بالأحداث الدراماتيكية، منتظرين ولادة قيصرية لحكومة كلف بتشكيلها حسان دياب على إثر استقالة الحكومة السابقة التي كان يرأسها سعد الحريري غداة انتفاضة شعبية غير مسبوقة اشتعلت شرارتها في الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر، مدفوعة بأزمة اقتصادية-اجتماعية حادة.

بعد عام يتكرر المشهد، حيث ينتظر اللبنانيون أن تتمكن القوى السياسية من تجاوز خلافاتها العبثية، لتشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري بعد استقالة حكومة حسان دياب في آب/أغسطس الماضي، وفي ظل تزايد حدة الأزمة الاقتصادية، التي باتت معها البلاد أشبه بعربة فقدت السيطرة عليها وهي على منحدر نحو الهاوية.

وإذا كانت حكومة حسان دياب، التي تتولى حالياً مهمة تصريف الأعمال، قد ولدت في تسوية سياسية ليل العشرين من كانون الثاني/يناير، فإنّ الموعد نفسه هذا العام بات محط أنظار اللبنانيين، خصوصاً أن الكل بات يربط إنهاء الأزمة السياسية القائمة بموعد تسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، مفاتيح البيت الأبيض، وإن كان المراقبون الأكثر عقلانية في البلاد يستبعدون أية تغييرات تلقائية في السياسة الخارجية الأميركية، التي لم يكن لبنان ضمن أولوياتها الأكثر إلحاحاً إلا في محطات نادرة، كما كانت الحال في الأعوام 1952 و1982 و2006.

وبالرغم من أن المشهد الحكومي في لبنان بات مكرراً حتى الملل، في بلد قائم على التوازنات والمحاصصات السياسية والطائفية التي عاقت كل محاولات الإصلاح منذ الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في العام 1943، إلا أن ما شهده اللبنانيون خلال العام المنصرم فاق كل التصورات، حتى أن كثيرين في البلاد، بما في ذلك كبار المسؤولين، يصرحون علناً بأنّ النظام اللبناني بشكله القائم لم يعد صالحاً، لا بل بات ذا طابع مدمر.

يبدو ذلك واضحاً في كل ما شهده لبنان خلال العام 2020، الذي شهد ما يكفي من أحداث الدراماتيكية لإسقاط آخر أوراق التوت التي كانت حتى الأمس القريب قادرة على تغطية عورة النظام اللبناني.

من أهم المحطات الفارقة في لبنان خلال العام 2020، كان إعلان الحكومة اللبنانية تعليق تسديد ديونها الخارجية، المعروفة باسم سندات "اليوروبوندز" في السابع من آذار/مارس الماضي، في ما أدخل البلاد عملياً في نادي الدول المفلسة، وإن كان المسؤولون في البلاد يرفضون هذه الصفة، مشددين على أن تعليق دفع الديون المستحقة هو خيار لجأت إليه الكثير من الدول بغية إعادة هيكلة اقتصادها.

وبصرف النظر عن صوابية هذا التبرير، إلا أن ما جرى كان مؤشراً على أنّ العام 2020 مثل نقطة النهاية للسياسات الاقتصادية التي اعتمدت لسنوات طويلة، تحت مسمى "الهندسات المالية"، الذي يصطلح الاقتصاديون على وصفها بـ"مخطط بونزي"، الذي قدم من خلاله المصرف المركزي معدلات فائدة سخية، تصل إلى 11في المئة، للمصارف التجارية كجزء من عمليات المقايضة المعقدة للديون الحكومية التي بلغت نسبتها 170 في المئة من الناتج المحلي، ما جعلّ لبنان ثالث أكثر دولة مثقلة بالديون في العالم.

كان ذلك أيضاً مؤشراً على فشل القطاع المصرفي الذي شكل ركيزة أساسية للنظام السياسي في لبنان منذ تشكله قبل مئة عام ، بعد إعلان ما سمي بـ"دولة لبنان الكبير"، غداة هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

وفي خضم الأزمة الاقتصادية، التي فاقمتها أيضاً الجائحة الوبائية الناجمة عن انتشار فيروس "كوفيد-19"، جاء الانفجار المدمر في مرفأ بيروت يوم الرابع من آب/أغسطس الماضي، اثر انفجار شحنة كبيرة من مادة نيترات اليورانيوم، ليكشف الوجه القبيح للنظام اللبناني، الذي بدا منظومة فساد متكاملة وعابرة لحدود السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية.

وبالرغم من أن الحكومة اللبنانية تعهدت بتقديم نتائج التحقيق في الانفجار الذي أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة ما يقرب من سبعة آلاف آخرين وفقدان تسعة، بجانب الخسائر المادية التي قدرت بأكثر من 15 مليار دولار، ناهيك عن تشريد أكثر من 300 ألف شخص، إلا أن التحقيقات القضائية الجارية لا تزال بعيدة عن تحديد المسؤولين عن الجريمة، لا بل أنها دخلت في بازار الانقسامات الطائفية في البلاد، خصوصاً بعد قرار قاضي التحقيق الأخير الادعاء على رئيس الحكومة ووزراء سابقين بتهمة الإهمال.

وإذا كان العام 2020 قد اتسم بطابع كارثي بالنسبة للغالبية الساحقة من اللبنانيين، الذين يرزحون تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية-اجتماعية على الإطلاق، بالنظر إلى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى رقم خيالي ناهز 8300 ليرة لبنانية (مقارنة بسعر رسمي هو 1500 ليرة)، وهو ما انعكس على أسعار كافة السلع في بلد قائم اقتصاده على الاستيراد، فإنّ العام 2021 قد لا يكون افضل حالاً خصوصاً أن المؤشرات المالية لا تبشر سوى بالانهيار الشامل، الذي تبدو معه البلاد مفتوحة على كافة السيناريوهات الكارثية سياسياً واقتصادياً.

في هذا الإطار، يقول رئيس قسم المحليات السياسية في صحيفة "الجمهورية" اللبنانية نبيل هيثم لوكالة "سبوتنيك" إن "العام 2020 بكل ما حمله للبنان، أسس لانكسار كامل على كل المستويات، الشلل هو العنوان، والسياسة بشكل عام خاوية تماما وفي انحدار مريع، بحيث لم يعد لها أيّ معنى".

ويضيف "بتنا في لبنان أمام واقع ملموس وسريع في تفاقمه، فخزّانات الأزمة طافحة بالتعقيدات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتفاقمة وصارت على حافة الانفجار الاجتماعي الرهيب، يقابل ذلك حالة هلع من سيناريوهات مخيفة تلوح في الأفق وتنذر باحتمالات سوداء ربطاً بالتطوّرات المتسارعة في المنطقة".

ويرى هيثم أن "مشكلة لبنان اليوم في موازاة المخاطر الرهيبة التي تتهدد هي أن العقل السياسي الذي يفترض أن يتدبّر أمر البلد بحكمة ومسؤوليّة، هو إمّا مثقوب، وإمّا منخور بسوس المصالح والشهوات على حساب وطن وشعب بكامله، وهذا ما تبدى بشكل مريع في تأليف الحكومة التي لا يبدو أنها ستولد في المدى المنظور".

ويتابع "المؤسف أن العام 2020، عنوانه اللبناني إفلاس كامل، وأفق مزدحم بقراءات لخبراء في الاقتصاد والمال تنذر ببداية سنة سوداء اقتصاديا وماليا واجتماعياً، قد تشكل الشرارة لإشعال فتيل الانفجار والفوضى الشاملة، وخصوصا في غياب سلطة مسؤولة تسعى لوقف الانهيار، وغي ظل تلهي الحكام في بازار المحاصصة في الحكومة"، لافتاً إلى أن "كل عوامل الاطمئنان مفقودة، وكل عوامل التفجير موجودة، فلا حلول ولا عصا سحرية ولا مخزون بالعملة الخضراء (الدولار)، وما يخشى منه مع هذا الوضع ان تؤدي التفاعلات السياسية الى فلتان خطير في سعر الصرف، وهو ما تؤشر اليه تحذيرات المؤس�

�ات المالية الدولية، وكذلك بعض المعطيات الداخلية التي تفيد عن تحضيرات للعبة خطيرة بالدولار في السوق السوداء ترفع سعر الدولار إلى مستويات خيالية، مضافا إليه رفع الدعم، وهذا معناه أن فتيل الانفجار الاجتماعي قد اشتعل".

من جهته، يتحدث رئيس تحرير مجلة "180" المتخصصة في الشؤون السياسية والاقتصادية حسين أيوب لوكالة "سبوتنيك" عن أربع نقاط قد تكون مفصلية في تحديد آفاق السياسة اللبنانية خلال العام 2021.

النقطة الأولى، بحسب أيوب، هي "تدويل الملف اللبناني"، إذ يوضح أنه "قبل انفجار مرفأ بيروت، كان العالم ينأى بنفسه عن لبنان برغم أزمته الاقتصادية والمالية. وقد حاول رئيس حكومة لبنان حسان دياب ورئيس الجمهورية زيارة أكثر من دولة لكن لم تفتح لهما الأبواب. بعد الانفجار أتى العالم إلى لبنان من رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون الذي زار لبنان مرتين وكانت مقررة له زيارة ثالثة إلى العديد من المسؤولين العرب والأجانب وحضور العشرات من أجهزة مخابرات العالم في تحقيقات مرفأ بيروت".

ويضيف "نحن شهدنا تدمير عاصمة لبنان. ما حدث يكاد يوازي بنتائجه التدميرية سنوات من عمر الحرب الأهلية. لذلك صار ملف لبنان على طاولة العالم".

أما النقطة الثانية، فهي أن "لبنان سيتأثر سلباً بفعل سياسة التطبيع، وستزداد حدة الاصطفاف الإقليمي بين محور التطبيع والمحور المضاد. ولذلك سيدفع لبنان المنقسم على خياراته الإقليمية ثمن الاحتدام الإقليمي ".

وأما النقطة الرابعة فتتعلق بالمفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود. وفي هذا الإطار يرى أيوب أن "لبنان وإسرائيل لن يتوصلا إلى تفاهم على الحدود البحرية. هذا أيضا سيزيد تعقيد المشهد الداخلي".

وأما النقطة الرابعة فتتعلق بالاستحقاقات المقبلة، ولا سيما الانتخابات الرئاسية في العام 2022، والتي تدور حولها الكثير من الصراعات والطموحات. وهذا الإطار، يقول أيوب "نحن دخلنا في موسم الاستحقاق الانتخابي رئاسيا ونيابيا، وسيزيد ذلك حدة الاشتباك الداخلي".