سد النهضة..​​​. مفاوضات بلا نتيجة!!!

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 11 مارس 2021ء) محمد أبوالعز - عقب رفض إثيوبيا المقترح السوداني المدعوم مصرياً بإنشاء رباعية دولية لمفاوضات سدّ النهضة، شهدت المنطقة زيارات مكثفة بين حكومتي دول المصب.

ففي حديث مع وكالة "سبوتنيك" أكدت مستشارة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة في الشؤون الأفريقية، أماني الطويل، أن "التقارب المصري السوداني الحالي مرتبط بأمرين، أحدهما أمر آني والثاني مستمر، الأمر الآني هو المتعلق بسد النهضة والمخاطر الكامنة في عملية الملء الثاني للسد، والتشاور المصري السوداني في هذا الأمر أساسي على اعتبار أن المخاطر عالية".

ويعد سد النهضة في إثيوبيا، أكبر مشروع قومي في التاريخ يقع على أحد رافدي نهر النيل، وهو النيل الأزرق والذي يمثل حوالي 85 بالمئة من مياه نهر النيل.

ولا يزال سد النهضة الذي أوشكت أديس أبابا على الانتهاء منه، محل خلاف بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأنه رغم جولات التفاوض المتعددة والتي رعتها واشنطن تارة، والاتحاد الأفريقي تارة أخرى، علاوة على اجتماعات ثلاثية لم تسفر عن حل للقضايا الشائكة.

هذا وأعلن السفير الروسي لدى مصر، غيورغي بوريسينكو، في وقت سابق، أن بلاده تتفهم المعنى الاستراتيجي لنهر النيل لمصر ولشعبها، وفي الوقت ذاته، نعترف بحق أثيوبيا في تطوير اقتصادها بما في ذلك قطاع الطاقة، ونحاول إقناع أديس أبابا بتسوية هذا النزاع سليما بدون إلحاق الأذى بجيرانها.

وفي تحول مفاجئ أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في وقت سابق من شهر شباط/فبراير، أن واشنطن ستراجع سياستها بشأن سد النهضة الإثيوبي، حيث أنها قررت عدم ربط تعليق مساعداتها لإثيوبيا بالسياسة الأميركية بخصوص ملف السد؛ مشيرة إلى أنها ستعمل على تسهيل حل الأزمة بين إثيوبيا ومصر والسودان بسبب هذا المشروع، وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركي نيد برايس، إن إدارة الرئيس، جو بايدن تراجع سياستها تجاه السد، وتقيم دورها في تسهيل حل الأزمة ولا تزال تدعم الجهود المشتركة للتوصل إلى اتفاق.

أهمية سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا...

يعد الغرض الأساسي من إنشاء السد هو توليد الكهرباء لتعويض النقص الحاد في الطاقة في إثيوبيا، ولتصدير الكهرباء إلى البلدان المُجاورة، حيث من المُتوقع أن يكون السد أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا وسابع أكبر محطة في العالم بسعة مُخططة تبلغ 6.45 غيغاواط.

وظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902 في أديس أبابا وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا، ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات سواءً على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط، ثم ظهرت اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا عام 1906، وظهرت عام 1929 اتفاقية أخرى، وهذه الاتفاقية تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر الحق في الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. وهذه الاتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيك

توريا. وتم تخصيص نسبة 7.7 بالمئة من المياه المتدفقة للسودان و92.3 بالمئة لمصر.

وأعلنت إثيوبيا في شباط/فبراير 2011 عن عزمها إنشاء سد على النيل الأزرق، والذي يعرف بسد هيداسي علي بعد 20-40 كم من الحدود السودانية بسعة تخزينية تقدر بحوالي 16.5 مليار متر مكعب أسند إلى شركة ساليني الإيطالية بالأمر المباشر وأطلق عليه مشروع إكس وسرعان ما تغير الاسم إلى سد الألفية الكبير ووضع حجر الأساس في الثاني من نيسان/أبريل 2011، ثم تغير الاسم للمرة الثالثة في نفس الشهر ليصبح سد النهضة الأثيوبي الكبير وهذا السد هو أحد السدود الأربعة الرئيسية التي اقترحتها دراسة مكتب الاستصلاح الأميركي.

بدأت إثيوبيا في بناء السد عام 2011 بموجب اتفاقية "عنتيبي" التي تم إبرامها في إطار مبادرة دول حوض النيل، وانتهت المفاوضات بتوقيع 5 دول فقط على الاتفاقية وهم، إثيوبيا، أوغندا، روندا، تنزانيا وكينيا.

وتمنح "عنتيبي" دول حوض النيل الحق في إقامة مشروعات على النهر دون إلزام موافقة دولتي المصب (مصر والسودان).

واعترضت مصر والسودان على "عنتيبي" وانسحبتا من مبادرة حوض النيل لتعارض "عنتيبي" مع اتفاقية 1959، التي تلزم دول حوض النيل بموافقة دولتي المصب قبل إقامة مشروعات على النهر، وكذلك تضمن حق الأمن المائي لهما، 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.

مخاوف دولتي المصب من اكتمال سد النهضة بدون اتفاق...

سيؤدي سد النهضة لنقصان مصر والسودان في حصص مياه النهر لكل منهما وخاصة خلال فترة ملئ الخزان، وكذلك حجز كمية كبيرة من الطمي خلف السد مما سيؤثر بالسلب على مساحة رقعة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان ومصر.

في حال تصدع أو أنهيار السد لأي سبب فسيؤدي هذا لغرق كل أراض السودان وجزء كبير من منطقة الجنوب المصري.

سيجعل سد النهضة إثيوبيا تتحكم في كمية المياه المتدفقة، وهذا ما ترفضه مصر، حيث أن مياه نهر النيل بالنسبة لمصر تعد مصدرا أساسيا للحياة بالنسبة للشعب المصري.

المفاوضات والاتفاقيات...

دخلت مصر والسودان مفاوضات مع إثيوبيا انتهت بتوقيع وثيقة مبادئ سد النهضة، عام 2015، والتي أقرت الحق للإثيوبيا في بناء السد، لكن الوثيقة أدخلت الأطراف في نفق من المفاوضات المتعثرة، وكانت آخر تطوراتها تهديد إثيوبي بعمل عسكري لحماية السد.

ويكمن الخلاف القائم بين مصر وإثيوبيا  في فترة ملء وتشغيل السد وأسلوب إدارته.

وقد يصل التوتر بين البلدين إلى مواجهة عسكرية بعد تلويح إثيوبيا في أكثر من مناسبة باللجوء إلى الحل العسكري.

وقعت مصر على اتفاق ملء وتشغيل السد برعاية أميركية في شباط/فبراير 2020، وسط رفض إثيوبي وتحفظ سوداني. ومع تعقُّد الوساطة الأميركية وتتابع المفاوضات من دون الوصول إلى أرض مشتركة بين أطراف النزاع، عادت المباحثات إلى المربع صفر، ليخيم الغموض على المشهد، في تطور يصبّ في خانة أديس أبابا التي تتحرك دون اكتراث نحو إكمال مخططها في سد النهضة، بمواصلة البناء وملء الخزان.

وأعرب الرئيس الأميركي في أكثر من مناسبة في اتصالات هاتفية جرت بين البيت الأبيض والاتحادية، خلال العام الماضي، عن حرص واشنطن التامّ على إنجاح مفاوضات سد النهضة، لكن هذا لم يحدث، على مدار نحو 8 أشهر من التفاوض المتردّد.

بل رفضت إثيوبيا توقيع مصر في واشنطن بالأحرف الأولى على المبادئ التوجيهية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، معلنة أنها ستواصل "بناء السد"،  إلى جانب بدء "ملء البحيرة" بما يتوافق مع التوقيع على اتفاقية "إعلان المبادئ" عام 2015.

وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة بطلب من القاهرة في 22 حزيران/يونيو 2020، حيث ناقشت الجلسة رسالتين من وزيري خارجية مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة.

ووصفت مصر التعنت الإثيوبي في المفاوضات بأنه يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين.

وجاء في رسالة إثيوبيا، أنه إذا كان ثمة تهديد فستكون مصر الطرف المسؤول عنه. ولجوء مصر إلى مجلس الأمن وتجاوزها جميع الآليات الإقليمية دليل على عدم نيتها المساهمة في نجاح العملية الثلاثية.

وأعلنت القاهرة استعدادها لاستئناف التفاوض إذا التزمت أديس أبابا بعدم الملء الأحادي.

وزير الموارد المائية المصري السابق محمد نصر علام،  قال إنّ "الاتحاد الأفريقي فشل من قبل، على مدار العام الماضي (2020)، في إيجاد حلول لتلك الأزمة برئاسة جنوب أفريقيا، التي تولت رئاسة الاتحاد على مدار عام، وبالتالي الكونغو التي تتولى رئاسة الاتحاد حالياً لن تقدم جديداً"؛ معتبراً أنّ "السودان كان على حق بتوسيع دائرة الوساطة في تلك الأزمة بإدخال الأمم المتحدة"، محذراً من أن أزمة السد "ربما تنذر بتصعيد خطير، يقود المنطقة الأفريقية إلى ما لا تحمد عقباه"، داعياً إلى تغليب "الحكمة ومواصلة التفاوض".