صلاة العيد لن تُقام في المسجد بسبب جائحة كورونا - عميد مسجد باريس الكبير لسبوتنيك

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 22 مايو 2020ء) أعلن عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيظ، أن صلاة العيد لهذا العام لن تُقام في المسجد بسبب الظروف الصحية، مؤكدا إلى أن الأولوية هي الصحة العامة.

وقال عميد المسجد لوكالة سبوتنيك، اليوم الجمعة: "صلاة العيد لن تُقام هذه السنة في المسجد بسبب المخاطر التي يترتب عنها تجمع عدد كبير من الناس في مكان مغلق"​​​.

وأشار حفيظ إلى أن "صلاة العيد ستكون إما يوم غد السبت أو يوم الأحد لكنها لن تُقام هذه السنة في المسجد بسبب استحالة تنظيمها في ظل الظروف الصحية الحالية".

هذا ويحتفل مسلمو فرنسا بعيد الفطر هذا العام في ظل ظروف صحية استثنائية لم تعرف لها البلاد مثيلا منذ قرن من الزمن. ولأول مرة منذ 93 عاما لن تُقام صلاة العيد في مسجد باريس الكبير، أكبر المساجد في فرنسا وأقدمها، وذلك بسبب جائحة كورونا التي أجبرت معظم دور الصلاة والعبادة على إقفال أبوابها خلال مدة قرابة الشهرين.

ويقدّر عدد المسلمين في فرنسا اليوم بقرابة ال4 ملايين شخص (بحسب إحصاءات صادرة عن مراكز خاصة) أي حوالي 7% من السكان حيث يعد الإسلام الديانة الثانية من بعد الكاثوليكية من حيث العدد.

وتأسس مسجد باريس الكبير عام 1926 وهو يعد من أكبر مساجد فرنسا وقد شيّد من قبل مهاجري شمال أفريقيا الأوائل على مساحة تقدّر بـ 7500 متر مربع. وترتفع مئذنة المسجد إلى طول 33 متراً أما البناء فقد شيّد على الطراز الأندلسي المغربي (الطراز المورسيكي الجديد).

ومع بداية الحجر الصحي أقفل مسجد باريس الكبير أبوابه أمام المصلين حاله كحال معظم دور العبادة وذلك بمرسوم صادر عن رئيس الوزراء إدوار فيليب كجزء من الإجراءات الصحية التي تحظر التجمعات داخل مؤسسات العبادة.

وعلى الرغم من بدء عملية رفع الحجر الصحي في ال11 من أيار/مايو الجاري قررت السلطات الإبقاء على إغلاق أماكن دور العبادة مما دفع بمجلس الدولة الفرنسي يوم الاثنين الماضي لإصدار أمر للحكومة طلب منها إعادة الفتح استجابةً لدعوة عدد من الجمعيات الدينية والأفراد المطالبين برفع الحظر الكلي عن دور العبادة.

ويرى مجلس الدولة أن "الحظر العام والمطلق على دور العبادة لا يتناسب مع الهدف المتمثل في الحفاظ على الصحة العامة كما يعد مجحفا".

ومن مكتبه حيث عُلّقت وراءه لوحة بان فيها "سي قدور بن غبريط" مؤسس المعهد الإسلامي مسجد باريس الكبير، يعلق شمس الدين حفيظ الحامل للجنسيتين الفرنسية والجزائرية والذي تولى منصب عميد مسجد باريس الكبير شهر يناير الماضي، على قرار مجلس الدولة قائلا إن "هذا القرار اتخذ لأسباب معينة وقد كان مبالغا فيه وبعض وسائل الإعلام حرفت بشكل جزئي ما جاء في مضمونه. الواقع اليوم لا يسمح لنا بفتح دور العبادة كما قبل".

ويقول: "نحن كمسؤولين عن دور عبادة المسلمين، نواجه صعوبات جمة لتهيئة وتجهيز المساجد لكي تفتح أبوابها مجددا. يجب ألا ننسى أن المساجد في فرنسا كانت مغلقة بالكامل طيلة فترة الحجر الصحي على عكس دور عبادة اليهود والمسيحيين التي لم تُغلق بشكل كلي. وبالتالي لا يمكننا أن نطبّق كل المعايير والإجراءات الصحية بين ليلة وضحاها. نحن نحتاج لوقت لكي ننظم عملية استقبال المصلين بعد قرابة شهرين من الإقفال."

ويعود شمس الدين حفيظ ليتحدث مجددا عن استحالة تنظيم صلاة العيد ولهذا السبب سيتم الاستعاضة عن ذلك بصلاة تبث عبر الفيديو بحضور عدد محدود من الأشخاص. وفي هذا الصدد يقول: "المسجد بحدائقه وباحته لديه قدرة استيعاب تصل الى 17000 شخصا. من المستحيل تنظيم صلاة العيد بحضور 17000 شخص في ظل الظروف الحالية".

ويتابع: "إمام المسجد سيلقي خطبة العيد لكي تبث عبر الفيديو بحضور عدد محدود من الأشخاص. سبق ووجهت دعوة لعمدة باريس آن هيدالغو ولرئيسة المجلس الإقليمي لباريس وضواحيها فاليري بيكريس لكي تحضرا مراسم صلاة العيد وقد قبلتا الدعوة".

وردأ على سؤال يتعلق بالجدل الذي أثاره قرار رئيس مجلس الوزراء ادوار فيليب الذي أبدى استعدادا للسماح بإجراء احتفالات دينية بمناسبة الأعياد المسيحية واليهودية ابتداءا من ال29 من الشهر الجاري "مستثنياً بذلك المسلمين الذين يحتفلون بعيدهم في ال23 أو ال24 من هذا الشهر" ، رداً على هذا السؤال يقول شمس الدين حفيظ :" رئيس الوزراء أعلن في ال4 من مايو أن الحكومة استمعت لمطالب الجمعيات الكاثوليكية وبعض الأحزاب السياسية لكي يتم السماح بالاحتفال (ضمن شروط) بالأعياد المسيحية واليهودية ابتداءاً من ال29 من مايو الجاري. المسيحيون واليهود سيحتفلون بأعيادهم ابتدا

ءا من ال29 لكن المسلمين الذين يصادف عيدهم قبل خمسة أيام لن يستطيعوا الاحتفال اسوة بالآخرين ومن هنا باب الاعتراض؛ لهذا السبب تكلمت في بياني الأخير عن التمييز بين المواطنين واستنكرت ذلك من حيث المبدأ. لكن على كل الأحوال نحن لن نفتح أبواب المسجد أمام المصلين".

ويشرح شمس الدين حفيظ المعاناة التي عاشها المسلمون في فرنسا خلال فترة الحجر الصحي خاصة تلك المتعلقة بدفن الموتى.

وفي هذا الصدد يقول: "المسلمون في فرنسا عانوا كثيرا خلال هذه الجائحة؛ عدد كبير من المسلمين لم يستطيعوا غسل موتاهم (الذين توفوا بسبب فيروس كورونا) كما تنص تعاليم ديننا."

ويتابع: "وقفنا خلال هذه المحنة الى جانب عائلات المتوفين وشرحنا لهم، من وجهة نظر فقهية أن عدم غسل الموتى لا يعني أن الشخص خرج عن إسلامه".

هذا وتجدر الإشارة الى أن عدد كبير من المسلمين في فرنسا يطلبون في وصيتهم أن يتم دفنهم في بلدانهم الأصلية وهو أمر بات مستحيلا في ظل الظروف الحالية. وحول هذه المسألة يعلق حفيظ قائلا: "من وجهة نظر شخصية، أعتقد أن إرسال موتى المسلمين الى بلدانهم الأصلية لكي يتم دفنهم هناك ليس حلا فعليا ولا معنى له. معظم المسلمين في فرنسا اليوم ولدوا هنا. لكن بالطبع هناك استثناءات، خاصة لدى كبار السن الذين يرغبون بأن يدفنوا في مسقط رأسهم".

هذا ويشير شمس الدين حفيظ الى أن المسلمين في فرنسا اليوم يعانون من قل المساحات المخصصة لهم لدفن موتاهم مؤكدا على عزم مسجد باريس القيام بالجهود اللازمة لتغيير هذا الواقع.

وعن هذا الموضوع يقول: "المشكلة في فرنسا هي قلة المقابر الإسلامية ولهذا السبب تواصلت مع رئيس جمعية رؤساء بلدية فرنسا فرنسوا باروان ومع وزير الداخلية كريستوف كاستانير لكي نعمل سويا بالتنسيق مع رؤساء البلدية بهدف إيجاد حل عبر تأمين مساحات جديدة لإقامة مقابر إسلامية في المناطق التي يتواجد فيها مسلمون".

وعن الإجراءات الصحية التي اتخذتها إدارة مسجد باريس الكبير لتنظيم عملية استقبال المصلين مجددا عندما تسمح الظروف بذلك يقول العميد شمس الدين حفيظ:" ابتداءا من ال11 من مايو (موعد بدء رفع الحجر الصحي) بدأنا بالتنظيم لمرحلة ما بعد الحجر الصحي من خلال تطهير المسجد. سنتخذ كامل الإجراءات اللازمة لتنظيم عملية استقبال المصلين وفقا للقواعد الصحية المطلوبة ومنها مسألة التباعد الاجتماعي بالإضافة لإجبارية وضع الكمامات".

ويتابع: "ابتداءا من الثاني من يونيو المقبل أي المرحلة الثانية من رفع الحجر الصحي سنشرع بعملية استقبال المصلين حيث ستتم إعادة فتح المسجد بشكل تدريجي. سبق وبدأنا بوضع علامات على الأرض في قاعة الصلاة لتحديد مسافة التباعد الاجتماعي. ابتداءا من الثاني من يونيو سنفتح قاعة الصلاة لاستقبال المصلين خلال الصلوات الخمس، لكن كل ذلك يتعلق بتطور الوضع الصحي وإرشادات وزارة الداخلية"

ومن ضمن الإجراءات الصحية التي اتخذها المسجد إغلاق قاعة الوضوء (حتى بعد موعد فتح المسجد) وذلك حرصا على سلامة المصلين حيث دعا عميد المسجد المسلمين أن يتموا الوضوء في منازلهم "لأن فيروس كورونا ينشط أكثر في الأماكن الرطبة".

ويضيف حفيظ قائلا إن فكرة إقامة صلاة الجمعة المرفقة بالخطبة المعتادة ليست مطروحة حاليا نظرا للتعقيدات المترتبة عن تواجد أعداد كبيرة من المصلين خلال وقت واحد. ولا يستبعد حفيظ أن تُقام صلاة الجمعة على دفعتين لاستيعاب أعداد المشاركين وذلك "بالطبع عندما يأتي الوقت المناسب لاستئنافها".

ويشدد عميد مسجد باريس على حرصه البالغ بألا يكون مسجد باريس بؤرة لنشر العدوى وبأن يشعر المصلون بالطمأنينة عندما يمارسون شعائرهم.

وأخيرا، يثني شمس الدين حفيظ على سلوك المسلمين في فرنسا الذين "كانوا قدوة في احترامهم للإجراءات الصحية" قائلاً إنه فخور بكونه مسلم.

ويضيف: "يجب ألا ننسى أن الطائفة المسلمة دفعت ثمنا غاليا بسبب الجائحة؛ أعلى نسبة وفيات في باريس وضواحيها سُجّلت في ضاحية سان دوني (شمال شرق باريس) حيث يوجد عدد كبير من المسلمين الذين يعملون في القطاع الصحي وفي قطاع النظافة وتوصيل البضائع. هؤلاء الذين يعملون في هذه القطاعات كانوا عامود الاقتصاد الفرنسي خلال فترة الحجر الصحي".

ويتابع: "فترة الحجر الصحي شهدت مناخا من التضامن؛ بعض المساجد وزع المساعدات الغذائية والأقنعة الطبية على المحتاجين كما كان هناك العديد من الشباب المسلم الذين نظموا مبادرات لمساعدة كبار السن في أحيائهم."

ويختم قائلا: "المسلمون هم جزء من الأمة الفرنسية ويجب ألا ننسى هذا".