"الأرض بدأت تتنفس".. البيئة هي الرابح الأبرز من إجراءات "حظر الإنسان" لمواجهة كورونا

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 28 مارس 2020ء) سلمى خطاب. وقف للطيران، وحظر للتجوال في عشرات المدن الكبيرة حول العالم، إلى جانب تقليل قوة عمل المصانع وغيرها من الإجراءات التي اتخذتها الحكومات لمواجهة تفشي وباء فيروس "كورونا المستجد" الذي أودى بحياة الآلاف خلال الأربعة أشهر الماضية، إجراءات ستكبد اقتصاديات الدول خسائر مادية فادحة، لكن على الجانب الآخر، تفائل خبراء البيئة بهذه الإجراءات إذ أعطى هذا التوقف الوقتي فرصة للبيئة أن تتنفس بعد أن قلل هذا التوقف بشكل ملحوظ من نسبة التلوث.

في تقرير صدر قبل يومين عن الوكالة الأوروبية للبيئة رصد تراجعا ملحوظا في نسبة تلوث الهواء خلال الأسابيع الماضية، نتيجة تقليل الحركة في المدن، فعلى سبيل المثال، سجلت مدينة روما تراجعا في نسبة انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين (أحد أبرز الغازات الملوثة للهواء) بنسبة تتراوح من من 26 إلى 35 بالمئة، في الأربعة أسابيع الماضية، مقارنة بالوقت ذاته من عام 2019، وأرجعت بيانات الوكالة هذا التراجع إلى حالة الإغلاق المفروضة على المدينة بسبب انتشار فيروس كورونا.

وفي مدينة مدريد سجلت بيانات الوكالة تراجعا لانبعاثات غاز ثاني أكسيد النيتروجين بنسبة 40 بالمئة  خلال الأسبوع من 16 إلى 22 آذار- مارس، مقارنة بالأسبوع الذي سبقه، ومقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بلغت نسبة التراجع نحو 55 بالمئة، كذلك في مدينة لشبونة، تراجعت انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين بنحو 40 في المئة في هذا الأسبوع، ومقارنة بنفس الفترة من العام الماضي بلغت نسبة التراجع نحو 51 في المئة.

"الأرض بدأت تتنفس":

يقول أستاذ علوم البيئة بجامعة عين شمس المصرية وحيد إمام، لوكالة سبوتنيك، إنه "لأول مرة نسبة التلوث الموجودة في الأرض تقل بالإجبار، فالمصانع بدأت تعمل فقط في حدود مواجهة الفيروس وبقوة أقل، والإنسان الذي كان يلوث البيئة أنشطته متوقفة، ليس الطيران فقط، بل كل وسائل النقل بشكل عام"، مضيفا "هذه الإجراءات نتائجها إيجابية 100 بالمئة لصالح البيئة، الأرض بدأت تتنفس".

لكن يتوقع وحيد أن تعود التأثيرات السلبية على البيئة بشكل أعنف بعد هذا التوقف لمواجهة الفيروس، إذ يوضح "هذا التحسن لصالح البيئة وقتي، لأن بعد ذلك ستعود الأنشطة البشرية بعنف لتعوض خسائرها الاقتصادية، هذا أمر متوقع، لكنه لا ينفي أن البيئة شهدت تعافيا، خاصة هذا الشهر".

ويرى في هذا التوقف من أجل مكافحة الفيروس فرصة لزيادة الوعي بشأن البيئة لاحقا، حيث يقول إن "تحسن الظروف البيئية يحسن من الصحة ويقوي المناعة، لأن التلوث من أحد نتائجه ضعف صحة الإنسان، مع أي إصابة سواء بفيروس كورونا أو غيره من الأمراض، نجد أن الأجسام لا تقاوم لأن مناعتها ضعيفة بسبب الفيروس، لكن حين تتحسن البيئة، تتحسن صحة الإنسان ومناعته ضد الأمراض، صحيح أن اقتصاديات كل العالم الآن تنظر إلى اتجاه واحد، وهو مقاومة الفيروس، لكن العالم كله اليوم تعلم الالتزام، تعلم كيف يغسل يديه، تعلم يتقبل حملات التوعية".

ويلفت وحيد إلى أن حملات التوعية بشأن البيئة كانت لا تلقى مردودا إيجابيا كافيا في الماضي، لكنه يتوقع أن يتغير ذلك بعد انتهاء أزمة الفيروس، حيث يقول إن "الناس لم تكون مؤهلة أن تقبل أو تسمع عن البيئة، فالحملات البيئية كان مردودها الإيجابي سابقا لا يتجاوز 10 أو 20 بالمئة، لكن اليوم لو ربطنا هذه الظروف السيئة التي تمر على الناس، بالبيئة السيئة الموجودة، وكيف انها أثرت على صحتهم وقللت من مناعتهم في تحمل الفيروس، يمكن تقبل أن تصبح التوعية بأن الصحة في البيئة النظيفة وفي المحافظة على البيئة، وبالتالي تزيد الحملات التي تدعو للحفاظ على البيئة".

في السياق ذاته، يقول استشاري البيئة وعضو المجلس العالمي للطاقة ماهر عزيز، لوكالة سبوتنيك، إن "الوجه الإيجابي لحالة التوقف هذه أنها صنعت تنقية كبيرة للأرض، فوقف الأنشطة البشرية قلل من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وربما تكون فترة الشهر أو الشهرين المقبلين هي فترة تعاف حقيقي للبيئة".

وحول سٌبل استغلال هذا التوقف للحفاظ على البيئة مستقبلا، يقول عزيز "التطور التكنولوجي يهدف إلى أن يكون صديقا للبيئة، لكننا سنصل له بشكل كامل خلال 10 إلى 20 سنة تقريبا، لأنه السيارات الكهربائية بدأت تتزايد، وكذلك تتزايد سيارات بخلايا الوقود تتزايد، وبالتالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في قطاع النقل كله تتضائل، لكن هذا التضاؤل يتم رويدا رويدا".

ويلفت عزيز إلى أن "قطاع النقل في العالم يتسبب في ثلث الانبعاثات المسببة للاحتباس الاحتراري (من 27- 33 بالمئة)، فحين يتوقف النقل، يحدث انتعاش للبيئة، واستمرار هذا يعتمد على التطور التكنولوجي في إحلال السيارات التي تدار بالنفط والوقود إلى السيارات التي تدار بطاقات صديقة للبيئة".

ويؤكد عزيز "التوقف الحالي يعطي فرصة لتعافي سريع في وقت قليل، على أمل أن نأخذ المبادرة من هذا التعافي ونكمل عليه".

وفيما يخص الشرق الأوسط، لا توجد بيانات دقيقة مسجلة عن تراجع في نسب التلوث بسبب إجراءات العزل التي اتخذتها العديد من الدول لمواجهة الفيروس المستجد، لكن عدد من وزارات البيئة في بعض البلدان، أعلن عن خطط للحد من التلوث، فعلى سبيل المثال أعلنت وزارة البيئة المصرية أنها ستكثف جهودها لمواجهة التلوث خلال فترة محاربة انتشار فيروس كورونا المستجد، كما ستعمل على خفض نسب تلوق الهواء والتخلص الآمن من المخلفات الصلبة والطبية، وتوعية المواطنين بالسلوكيات البيئية السلمية التي تساعد في الحفاظ على سلامتهم.

وفي هذا السياق، توضح لوكالة "سبوتنيك" الباحثة ببرنامج الإدارة الذاتية للمناخ بين جامعتي الإسكندرية وكاتانيا ريهام رفعت أنه "علينا أن نضع في اعتبارنا أن الدول الصناعية مثل ألمانيا وإيطاليا تعاني من نسب تلوث تراكمية منذ بداية الثورة الصناعية، وهي نسب أعلى من الموجودة في الدول النامية، لكن في الوقت ذاته، النظام البيئي هناك غني بالغابات والبحيرات ما يجعل فرص الطبيعة هناك في استعادة تعافيها سريعة"، مؤكدة "هذا كله مرتبط في المستقبل بسلوكيات بشرية صديقة للبيئة حتى لا نعود للتلوث مرة أخرى".

وتتابع رفعت "بشكل عام هناك تحسنا ملحوظا في جودة الهواء في العديد من الأماكن"، وتضيف "لكي يصبح التطور الذي حدث تطورا مستداما، علينا أن ندعمه بسلوكيات أكثر إيجابية من الإنسان، وأنماط استهلاك مسؤولة حتى لا تستنزف الموارد البيئية ويزيد التلوث".

وبسب تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) اتخذت العديد من البلدان قرارات بوقف الرحلات الجوية، وفرض حالات الإغلاق التام، ومطالبة المواطنين بالبقاء في المنازل وتقليل الحركة، وفرض حظرا للتجوال، سواء في جزء من اليوم، أو اليوم بأكمله، مثلما فعلت المملكة الهاشمية الأردنية.

والخميس الماضي نشر موقع "فلايت رادار" إحصائية تشير إلى تراجع عدد رحلات الطيران في العالم بنسبة 40 بالمئة، وتشير أرقام الموقع إلى تسجيل 89 ألف و276 رحلة طيران يوم 27 آذار/ مارس الجاري، مقارنة بـ177 ألف 882 رحلة في يوم 27 شباط/ فبراير الماضي.

وأسفر الفيروس الذي ظهر للمرة الأولى في مدينة ووهان في الصين في كانون الأول/ديسمبر الماضي ، عن وفاة 28653 شخصا حول العالم، فيما أصاب أكثر من 620 ألف مواطن في أكثر من 190 دولة.

وأسفر الفيروس الذي ظهر للمرة الأولى في مدينة ووهان في الصين في كانون الأول/ ديسمبر الماضي ، عن وفاة 28653 شخصا حول العالم، فيما أصاب أكثر من 620 ألف مواطن في أكثر من 190 دولة.