استعراض التجربة الإماراتية في توظيف القوة الناعمة خلال اجتماعات الأمانة العامة لجامعة العربية

دبي (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 18 نوفمبر 2019ء) عقدت اليوم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في دبي الحلقة النقاشية البحثية السابعة في إطار الاجتماعات الدورية للأمانة التي تستضيف دورتها الحالية دولة الإمارات في دبي ويتم تنظيمها بالتعاون بين الأمانة العامة و"نادي دبي للصحافة" و"مؤسسة وطني الإمارات"، وذلك في ثاني أيام الفعاليات المقرر اختتامها غدا بعقد الاجتماع الـ22 لفريق الخبراء الدائم المعني بمتابعة دور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب حيث سيجرى مناقشة واعتماد التوصيات المرفوعة من خلال أوراق العمل المقدمة خلال اليومين الأول والثاني للاجتماعات.

وخلال الحلقة النقاشية التي تركزت حول دور الإعلام العربي في التصدي لظاهرة الإرهاب، وترأسها معالي الوزير المفوض الدكتور فوزي الغويل، مدير الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب بجامعة الدول العربية.. تم تقديم أربعة أوراق عمل لكل من دولة الإمارات ، وجمهورية العراق، والمملكة المغربية، وجمهورية مصر العربية.

وخلال ورقة العمل الإماراتية التي جاءت تحت عنوان "دور القوة الناعمة في مكافحة الإرهاب"، وهي الثانية لدولة الإمارات خلال هذه الاجتماعات..

استعرض الدكتور سعيد حسن، من إدارة مكافحة الجريمة المنظمة، في شرطة دبي دور القوة الناعمة في مكافحة الإرهاب والتصدي للفكر الهدام، معددا الأدوات التي يمكن توظيفها في تحقيق القوة الناعمة التي عرفها بأنها القدرة على التأثير على سلوك الآخرين للحصول على النتائج المرغوبة.

وقال إن هذا المصطلح لم يعرفه العالم قبل العام 1990 إلى أن قدمه الأكاديمي والدبلوماسي جوزيف ناي في هذا العام ضمن كتابه "مقدر لتقود" - Bound to Lead - ، حيث ما لبث أن ترسخ مصطلح القوة الناعمة مع إصدار الباحث ذاته كتابا بنفس العنوان "القوة الناعمة" - Soft Power - في العام 2004.

ومن بين الأدوات التي عرضها خلال تقديمه، قال الدكتور حسن إن السياسة الخارجية للدول، وإمكاناتها السياحية والثقافية والفنية، وكذلك الفعاليات الرياضية من الممكن أن تمثل أدوات فعالة للقوة الناعمة، وضرب مثالا بدولة الإمارات التي نجحت من خلال سياستها المتوازنة والتي وضع أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، "طيب الله ثراه"، في بناء علاقات قوية مع أغلب دول العالم، وهي مستمرة في توطيد تلك الروابط وتوسيع نطاقاها، عبر دبلوماسيتها القوية والفعالة والتي جعلت اليوم جواز السفر الإماراتي الذي يعد اليوم من بين الأقوى عالميا، وكذلك عبر أدوات أخرى للقوة الناعمة ومن أهمها مجال العمل الخير والمساعدات الإنسانية حيث تفوقت دولة الإمارات عالميا في هذا المجال.

كما ضرب أمثلة بعدد من المبادرات المهمة لدولة الإمارات في هذا الصدد ومنها "دبي العطاء" التي وصل عدد المستفيدين من خدماتها في نشر التعليم وتهيئة البيئة الداعمة له في الدول الأقل حظا إلى أكثر من 18 مليون إنسان، و"نور دبي" التي تحولت من حملة إلى مؤسسة غير ربحية لتتجاوز الهدف الأساسي الذي انطلقت من أجله وهو معالجة مليون إنسان حول العالم وحمايتهم من فقد البصر، ليصل عدد المستفيدين اليوم إلى أكثر من 27 مليون شخص.

وقال الدكتور سعيد حسن إن تأثير القوة الناعمة الإماراتية في ازدياد مطرد لاسيما دخولها إلى مجالات جديدة مثل الحكومة الذكية وإطلاق استراتيجية الذكاء الاصطناعي ومجال علوم واكتشاف الفضاء، فضلا عن العلامات التجارية الإماراتية الكبرى التي ذاعت شهرتها عالميا وانتشرت أنشطتها حول العالم مثل موانئ دبي العالمية وطيران الإمارات، وغيرها، في الوقت الذي نجحت فيه الدولة كذلك في توظيف القوة الناعمة من خلال الفعاليات الرياضية العالمية الكبرى التي تنظمها وتستضيفها سنويا ويتابعها ملايين الأشخاص حول العالم ومنها على سبيل المثال "كأس دبي العالمي" للخيول والذي يعد الأغلى عالميا ، وفريق الفيكتوري تيم الذي أصبح اليوم يتمتع بشهرة عالمية كبيرة في مجال سباقات قوارب السرعة.

ولفت إلى أن القوة الناعمة قد تكون أحيانا سلبية لاسيما عند استخدامها لأغراض غير نبيلة أو مدمرة وقال إن التنظيمات الإرهابية اليوم تعمد إلى توظيف القوة الناعمة في استمالة تعاطف الناس والتغرير بهم وتحفيزهم على تبني أفكارهم الهدامة، مؤكدا أهمية مثل هذه القوة الناعمة السلبية بقوة ناعمة مضادة إيجابية، للحد من تأثيرها وتفويت الفرصة على أصحابها.

وأكد الدور المحوري للإعلام كأحد أهم أدوات القوة الناعمة، وقال إن على وسائل الإعلام التنبه حتى لا تتحول إلى وسيلة للترويج للقوة الناعمة السلبية، وضرب مثال بإقدام بعض وسائل الإعلام على عرض الفيديوهات التي تسجلها جماعة "داعش" الإرهابية وهي تقتل ضحاياها بدم بارد، وقال إنه على الرغم من استهجان الجانب الأكبر من الناس لمثل هذه الفيديوهات، إلا أن هناك شريحة أخرى أعجبت بالتقنيات المتقدمة المستخدمة في إنتاجها والتي تقارب التقنيات المستخدمة في مراكز انتاج السينما العالمية، ما يعد دليلا على تبعات القوة الناعمة السلبية.

وتضمنت ورقة العمل الإماراتية عرضا لبعض الإجراءات المهم اتخاذها لمجابهة القوة الناعمة السلبية ومكافحة الإرهاب والتصدي لخطاب الكراهية ومنها: توظيف القوة الناعمة الإيجابية لمجابهة القوة الناعمة السلبية، والتصدي للجهات الداعمة للمنظمات الإرهابية وكشف مخططاتها وأهدافها الخبيثة، وتعزيز التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب وتشكيل التحالفات للقضاء عليه، ووضع الخطط لعزل الجماعات الإرهابية وحجب فرص التمويل عنها بل وتجفيف منابعه، وسن وتطوير القوانين والتشريعات اللازمة لذلك، مشددا على أهمية إنشاء برامج لمحو الأمية وإصلاح النظام التعليمي في مختلف انحاء المنطقة.

وحول الإسهام الإماراتي من خلال القوة الناعمة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف والفكر المتشدد، أشارت ورقة العمل إلى اختيار "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب" دولة الإمارات لاستضافة المقر الرئيس لـ "مركز التميز الدولي لمكافحة التطرف العنيف" - هداية -، في العاصمة أبوظبي وذلك اعتبارا من ديسمبر 2012، حيث يعنى المركز بطيف واسع من الأنشطة الدبلوماسية والرياضية والثقافية، فضلا عن إسهامه في مكافحة التطرف العنيف عبر المناهج التربوية، ونبذ الراديكالية في السجون، ودعم ضحايا الإرهاب، وترسيخ مبادئ التواصل والحوار، وبرامج بناء القدرات، إضافة إلى البحث والتحليل.

وتناولت الورقة البحثية العراقية التي قدمها رئيس الوفد العراقي الدكتور جاسم محمد فرج تحت عنوان "الاعلام وتنامي تنظيم داعش في العراق"، اعتماد التنظيمات الإرهابية ومنها "داعش" على وجه الخصوص في توسعها على الإعلام من خلال تجنيدها جيشا اعلاميا في كافة الاختصاصات، لشن حربا اعلامية ونفسية ذات اسلوب رقمي والكتروني، مستخدمين كل الأساليب والوسائل المشروعة وغير المشروعة لإضعاف الروح المعنوية للخصم وتجنيد المزيد من الشباب للانضمام إليه، وتسخير الآلة الاعلامية لبناء استراتيجية اعلامية تمكن من خلالها داعش من السيطرة على أراضي واسعة تقدر بثلث الأراضي العراقية بالإضافة إلى أراضي مجاورة من سوريا.

وتطرق لماهية الارهاب الاعلامي وقدرته على غزو العقول وهدم القيم وتشويه الفكر، وآلية عمل ادارة الاعلام في تنظيم داعش، والأساليب التي يستخدمها التنظيم لنشر الكذب والتضليل، وتحويل الانتباه، والتضخيم والتهويل، إضافة إلى الخصائص التي يتميز بها اعلام داعش، كما تناول العلاقة بين وسائل الاعلام الرقمي والإرهاب.

كما تضمنت الورقة العراقية بعض الوسائل التي يستخدمها تنظيم داعش في الترويج لنفسه.

وتحت عنوان " أثر التوعية الاعلامية والمناهج التربوية في مواجهة فكر الإرهاب" استعرض صالح عبد السميع الصالحي، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام، في جمهورية مصر العربية، أهمية الإعلام والمناهج التربوية باعتبارها من أهم العناصر في استراتيجية مواجهة الإرهاب التي تشكل الوعي واتجاهات الرأي العام، والتي لا تقل بأي حال من الأحوال عن العنصر الأمني كونهما بداية الطريق في الخطة الشاملة لمكافحة الإرهاب.

وأكد أن الإعلام والمناهج التربوية يستطيعان خلق ظهير مجتمعي مؤيد للتصدي للإرهاب ونبذ العنف، من خلال ترسيخ القيم النبيلة وتبادل المعارف والثقافات ونقل الأخبار والمعلومات والبيانات، وهو ما يدعو للتعامل معهما كأداتين يمكن توظيفهما في تلك المواجهة والاستعانة بهما في التغلب على حالة انعدام الوزن وفقدان الاتجاه الناتجين عن عمليات التضليل.

وتضمنت الورقة المصرية العديد من الأسس التي يجب على الإعلام الأخذ بها في مواجهة الإرهاب، ومنها وضع سياسات إعلامية تلتزم بها مؤسسات الإعلام العربية، والتحلي بالموضوعية في المعالجات الإعلامية، واحترام الأديان، وتفعيل مواثيق الشرف الإعلامية ونظم المحاسبة.

ودعا عضو المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام في مصر إلى ضرورة توفير نظام تعليمي يؤهل النشء والشباب للتعرف على علامات الغلو والتطرف، وإعداد مناهج تعليمية تأهلهم لاستخدام وسائل المعرفة وتمكنهم من التعامل بشكل إيجابي مع الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتغرس فيهم القيم الإسلامية وتصحح المفاهيم المغلوطة، وتساعدهم على التفكير الإيجابي والحوار الهادف.

أما الورقة البحثية للمملكة المغربية فعرضها الدكتور عبد اللطيف بن صفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، بعنوان "مقاربات إعلامية لمواجهة أشكال الفعل والإعلام الإرهابي في الوطن العربي"، وتحدث خلالها عن استناد الإرهاب إلى كل فعل يحدث الخوف والفزع، و يزرع الذعر والرعب والهلع من خلال استخدم العنف في أبشع صوره لتحقيق غايات سياسية أو إيديولوجية، مشيرا إلى أن الإرهاب يوظف جميع الأدوات الممكنة من أجل تحقيق أهدافه بالأخص ما يتعلق منها بالدعاية والترويج للفكر الإرهابي، والدعوة للانخراط في تنفيذ الفعل الإرهابي.

ولفت إلى التحول الجذري الذي حصل في المقاربات الإرهابية، وتغير الفضاءات التي ظلت تعتبر مقرات نشر الأفكار المتطرفة، مثل المساجد وحلقات الدراسة والنقاش التي كان يغلب عليها الطابع السري، واحتلت مكانها قوة الإنترنت التي أصبحت وسيلة اتصال آمنة تتيح الاتصالات بين نشطاء التنظيمات المتطرفة، وتمدهم بالمعلومات والقنوات المؤدية إلى الاندماج في شبكات التجنيد والاستقطاب.

وتطرقت الورقة كذلك إلى تشخيص عقيدة الإعلام الإرهابي وأشكال التصدي العربي له، والإجراءات الواجب أخذها من قبل المؤسسات الإعلامية لمكافحته، كما تناولت جوانب الضعف التي تستغلها العقيدة الإرهابية، وعدم قدرة الإعلام العربي على ملء الفراغ وتطوير وسائل حديثة للتصدي لخطاب الكراهية، كما تناولت الورقة الخيارات المطروحة أمام الإعلام العربي في مواجهة أشكال الإرهابي.