السودان في 2021.. مشهد سياسي معقد واقتصاد منهك وغليان في دارفور

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 15 ديسمبر 2021ء) محمد الفاتح. عاني السودان، خلال العام الجاري، من محاولات انقلاب عسكرية، هيمنت على المشهد السياسي بشكل عام في البلاد، وزادت من تفاقم الأزمة الاقتصادية، وفقدان القدرة الشرائية للمواطنين؛ كما أثرت بشكل مباشر على الوضع في إقليم دارفور، الآخذ في التأزم.

وفي هذا السياق، قال الخبير بالقطاع السياسي والدراسات الاستراتيجية، الفاتح محجوب، لوكالة "سبوتنيك"، إن "أهم حدث سياسي في السودان للعام 2021، هو انقلاب اللواء ركن عبد الباقي البكراوي، في 21 (أيلول) سبتمبر الماضي، الذي يصنف من قبل الخبراء العسكريين بأنه عصيان عسكري وليس انقلاب. وأنه عصيان عسكري ذو رسالة سياسية، وأخري عسكرية، موجهة إلى القائد العام للقوات المسلحة، ورئيس هيئة الأركان".

وأضاف، "شروط قادة العصيان العسكري أدت إلى إنهاء عصيانهم، التي يبدو أن القائد البرهان قد تبني جزء كبير منها، ما تسبب في إحداث انفصام واضح بين المكونين العسكري والمدني. وقد تبين ذلك في خطاب القائد العام في منطقة الشجرة العسكرية، ثم خطابه في قاعدة وادي سيدنا العسكرية، عقب أيام من محاولة الانقلاب الفاشلة".

وبحسب محجوب، نتج عن التلاسن الخطابي بين قادة المكونين العسكري والمدني، حدوث شلل كامل في الحكومة؛ وهو وضع نتجت عنه إجراءات الفريق أول البرهان بحل الحكومة الانتقالية، وحل مجلس السيادة، وتجميد عمل لجنة تفكيك التمكين، واعتقال معظم قادة قوي الحرية والتغيير وعدد من الوزراء وأعضاء لجنة تفكيك التمكين.

واعتبر محجوب، أن إجراءات البرهان، في 25 تشرين الأول/أكتوبر، كانت تحت ضغط ضباط القوات المسلحة، الذين ضاقوا بالظروف المعيشية السيئة، والتخوين والإساءات والمحاكمة غير العادلة للضباط والجنود، الذين يؤدون واجبهم العسكري.

وتابع قائلا، "كل ذلك نتج عنه إجراءات الفريق أول البرهان، التي لم يقصد بها الانقلاب على الحكومة الانتقالية، بل تصحيح أداء الحكومة الانتقالية تجاه المكون العسكري؛ لتقليل الضغوط عليه".

ووفقا له، فقد حرص البرهان على التنسيق، منذ بدايات التخطيط للإجراءات العسكرية، مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، على أمل أن يتم التوصل إلى صيغة بينهما، دون الحاجة إلى تدخل الجيش.

ونتيجة لفشل المفاوضات بين الجانبين، اضطر البرهان للتصرف منفردا؛ وبعدما أحكم قبضة الجيش علي السلطة، واصل التفاوض مع حمدوك، ليخرج الإعلان السياسي عنهما، في محاولة لإنقاذ الانتقال الديمقراطي ومحاولة كسب ثقة المانحين الدوليين مرة أخري، والإعداد للانتخابات.

وحول المشهد الاقتصادي في السودان، قالت رئيسة قسم الاقتصاد في جامعة "السودان العالمية"، ماجدة الصادق، لوكالة "سبوتنيك"، إن "البلاد شهدت، خلال العام 2021، حزمة  كبيرة من محاولات الإصلاح الاقتصادية؛ حيث قامت الحكومة الانتقالية بتبني سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الصعبة، للتأهل لتخفيف الديون".

وأعلنت الحكومة، في شباط/فبراير الماضي، وفقا للصادق، تبنى سياسة سعر الصرف المرن المدار، وتحرير سعر العملة؛ ما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه السوداني وارتفاع سعر الدولار. وفى حزيران/يونيو الماضي، "تم رفع كامل الدعم عن الوقود، وألغى السودان سعر الصرف الجمركي المستخدم في حساب رسوم الاستيراد، في خطوة أخيرة بعملية تخفيض قيمة العملة المحلية"، بحسب الخبيرة.

وفى أيار/مايو، أعلن بنك السودان، في منشور، عن سياسات جديدة تسمح بتدخله في عرض النقد الأجنبي عن طريق المزادات، وفق آلية يومية حدد المنشور شروطها.

وينتهج البنك المركزي السوداني سياسة المزاد، في توفير العملات الصعبة إلى الموردين؛ وذلك في إطار تطبيق إجراءات سعر الصرف المدار، واستقرار سعر صرف العملة الوطنية.

ومهد السودان عبر تلك الإصلاحات، حسبما ذكرت الصادق، الطريق "لتخفيف مكثف للديون الخارجية بأكثر من 50 مليار دولار؛ وفتح الوصول إلى التمويل الدولي".

وتابعت الخبيرة السودانية قائلة، "في منتصف هذا العام، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على خطة تمويل من شأنها أن تساعد في تخفيف الديون المستحقة على السودان؛ وبذلك استعاد السودان بشكل تدريجي نسق العمليات المالية الدولية والتحويلات النقدية العابرة للحدود، بعد رفع اسمه من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، نهاية العام الماضي".

وفيما يتعلق بالصادرات والواردات، أشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أنه، خلال النصف الأول من العام 2021، بلغ حجم صادرات السودان من البضائع ما قيمته 2.53 مليار دولار؛ بزيادة نسبتها 68 بالمئة عن الفترة المماثلة من العام 2020، مقابل فاتورة واردات ما يعادل 4.16 مليار دولار، خلال ذات الفترة.

وجاء الذهب في صدارة قائمة الصادرات، حيث تم تصدير 16.7 طن، قيمتها حوالي مليار دولار

واستورد السودان، خلال تلك الفترة، قمحا بقيمة 239 مليون دولار، ومنتجات بترولية بـ 215 مليون دولار، وأدوية بقيمة 236 مليون دولار.

وأوضحت الصادق، أن كل محاولات الحكومة الانتقالية لتنفيذ برامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية، لم تساعد في استقرار الاقتصاد الكلى بالسودان، ولا في تحسن الأداء المالي، أو تعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية للصادرات.

وقالت في هذا الصدد، "بلغ الناتج المحلي الإجمالي في السودان 26.11 مليار دولار أمريكي، في عام 2020، وفقًا لبيانات رسمية من البنك الدولي. وتشير التقديرات والتوقعات إلى أن نسبة التقلص في الناتج الإجمالي الحقيقي، قد تزيد عن 8.5 بالمائة، خلال 2021؛ بسبب عدم الاستقرار السياسي، واستمرار الرفض والمظاهرات، من قبل شريحة عريضة من المجتمع والشباب، للوضع السياسي القائم".

وفيما يتعلق بنسب التضخم الاقتصادي، أوضحت الخبيرة، أنه، "خلال العام، ارتفعت نسبة التضخم في السودان إلى معدلات لم يسبق لها مثيل، من 259 بالمئة، خلال كانون الأول/ديسمبر 2020، إلى أكثر من 350 بالمئة في تشرين الأول/أكتوبر. وأدى هذا الجموح في معدلات التضخم، إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة بأكثر من 250 بالمئة، خلال الربع الأول من 2021، ما أدى إلى ارتفاع عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى 13.4 مليون شخصا".

وفى عام 2021، تراجعت مشتريات الأسر السودانية من المواد الغذائية، إلى أكثر من 30 بالمئة؛ بسبب ضعف القوة الشرائية.

وانعكست حالة الركود الاقتصادي على العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، وعلى رأسها قطاع نقل الركاب، الذي تأثر بتضاعف أسعار الوقود وقطع الغيار.

وفى منتصف عام 2021، بدأ السودان في تطبيق برنامج دعم الأسر الفقيرة الممول دولياً، والمعروف اختصاراً باسم "ثمرات"؛ بهدف تخفيف آثار الإجراءات الاقتصادية القاسية، التي طبقتها الحكومة الانتقالية، ضمن المطلوبات الاستباقية الأساسية لتصحيح مسار الاقتصاد.

ويغطي برنامج "ثمرات" في مرحلته الأولى، ولايات الخرطوم وجنوب دارفور والبحر الأحمر وكسلا، والتي اعتبرت الأكثر تأثراً في البلاد. 

غير أن الإجراءات التصحيحية، التي يقول الجيش السوداني، إنه قام بها في تشرين الأول/أكتوبر 2020، أدت إلى تجميد برنامج "ثمرات"، بحسب الخبيرة.

وتسبب انقطاع الإنترنت، خلال فترة الاضطرابات السياسية الأخيرة، نتيجة ما أسماه الجيش السوداني بالإجراءات التصحيحية، في توقف وشلل بمجتمع الأعمال الناشئ لرواد الأعمال الشباب في السودان؛ كما أدى إلى تعليق العقود مع المستثمرين الغربيين والشركات متعددة الجنسيات.

وصف المحلل السياسي، الجميل الفاضل، الوضع الأمني والسياسي في إقليم دارفور الواقع غربي البلاد، بأنه "أكثر البؤر التهابا، خلال العام؛ حيث تكررت الاشتباكات في مدينة الجنينة، في ولاية غرب دارفور، وراح ضحيتها المئات".

وقال الفاضل، "بدأ لافتا أن شرارة هذه الأحداث المتكررة، ظلت قابلة للاشتعال وتجدد الاشتعال، لأسباب تبدو واهية في ظاهرها. وبمراجعة وقائع اندلاعها، نجد أنها في الغالب قد نشبت، جراء مشاجرات شخصية الطابع؛ بيد أنها قد تطورت واتسع نطاقها لتتحول إلى نزاع قبلي وإثني دموي، قاد إلى تورط أفراد ومجموعات من قوات نظامية في مناصرة طرف على حساب آخر".

ويرى الفاضل، أن "اتفاق جوبا للسلام"، الموقع في تشرين الأول/أكتوبر 2020، لم يفلح في نزع فتيل هذه الصراعات، وبات في حكم المؤكد أن أجهزة الدولة الرسمية المناط بها تطبيق القانون، وقفت عاجزة، أو أنها غير راغبة في ذلك، خاصة بعد إنهاء مهام بعثة اليوناميد الأممية في دارفور.

وصور الفاضل ما يجري في دارفور بأنه "النزاع حول الأراضي، والتغير الديموغرافي الناجم عن توطين النظام لإثنيات موالية له داخل المناطق التاريخية لبعض القبائل، التي جرى تصنيفها في خانة التمرد والمعارضة".

ووفقا له، يعد هذا سببا رئيسا وراء حالة الغبن والاحتقان، "التي مثلت وقودا سريع الاشتعال، ولأتفه الأسباب".

واعتبر الخبير، أن الصراع التقليدي بين الرعاة والمزارعين يعد عاملا من بين العوامل التي أججت نيران هذه الصراعات؛ إلا أنه ليس العامل الوحيد وراء موجات العنف التي شهدها إقليم دارفور مؤخرا.

وتسببت في ذلك أيضا، صراعات النفوذ والتنافس القبلي السياسي، إلى جانب تفشي روح الثأر والانتقام بين مكونات المجتمع، لغياب عنصر العدالة وضعف آلياتها.