بوادر أزمة سياسية جديدة في تونس.. احتجاجات واسعة وتوقعات بتعديل حكومي

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 23 نوفمبر 2020ء) سلمى خطاب. لم يمض ثلاثة أشهر على تشكيل رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي لحكومته، بعد أزمة سياسية حادة عاشتها البلاد، حتى لاحت بوادر أزمة جديدة في الأفق، بعد سلسلة من بيانات لأحزاب سياسية تشكك في استقلالية حكومة المشيشي، وتكهنات بإجراء تغيير حكومي.

تأتي هذه التطورات في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية حادة تعيشها البلاد، يفاقم من حدتها انتشار فيروس كورونا المستجد، ما ينذر بانفجار موجة احتجاجات واسعة النطاق.

وأصدر عدد من الأحزاب التونسية، أبرزها التيار الشعبي، خلال الأسابيع الماضية بيانات تنتقد أداء حكومة المشيشي، وتتهمها بـ"الخضوع والتواطؤ" لبعض الكتل داخل البرلمان، في وقت نقلت فيه وسائل إعلان تونسية عن مصادر حكومة أن "القوى الثلاثة الأكبر في البرلمان [النهضة وقلب تونس والكرامة] تضغط على المشيشي من أجل إجراء تعديل وزاري يزيد من تمثيلهم في الحكومة.

في حديث مع وكالة سبوتنيك، قالت الناشطة السياسية والنائبة السابقة في البرلمان، فاطمة المسدي إن "حكومة المشيشي الآن في ورطة لأنه تحت ضغوطات الحزام السياسي البرلماني الذي يضم الائتلاف السياسي الحاكم (قلب تونس والنهضة وائتلاف الكرامة) ورغم أنه رئيس حكومة تكنوقراط تم اختياره على أساس انه بعيد عن السياسة لكن هو الآن تحت ضغط السياسيين".

وأضافت المسدي "أمام المشيشي اختيارين إما أن يختار الرضوخ للسياسيين أو يكون في صف قيس سعيد رئيس الجمهورية ما يعني أن يطرح الرئيس مبادرة لحوار وطني اقتصادي اجتماعي، لجمع كل الفرقاء وإخراج تونس من الأزمة، إذ انضم له المشيشي ستكون هذه انطلاقة جديدة في العلاقة بين قيس سعيد والمشيشي، أما إذا استمر المشيشي تحت ضغط الحزام السياسي البرلماني، فهذا معناه أنه سيقوم بتغيير الحكومة استجابة لضغط النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس الذين يبحثون عن موقع في الحكومة رغم كل شيء".

في السياق، يوضح المحلل السياسي التونس، كمال بن يونس أن "نقطة قوة حكومة هشام المشيشي كانت في أنها ليست حكومة حزبية وبالتالي لا توجه إليها سهام مثل تلك التي كانت توجه للحكومات السابقة، لكن نقطة القوة هذه هي نفسها نقطة الضعف، بسبب عدم وجود وزراء مدعومين من أحزاب سياسية، وهذه نقاط ضعف في هذه المرحلة".

وحول طرح احتمالية أن يجري المشيشي تعديلا حكوميا، يرى بن يونس أنه بالرغم من وجود "بوادر خلاف بين بعض الوزراء" لكن "قد يكون من السابق لأوانه الآن إدخال تغيير كبير على هذه الحكومة التي لم يمض ثلاثة أشهر على تأسيسها، وهناك  أيضا دعوات للاستقرار، مرجحا أن يؤجل المشيشي التعديل وإن كان جزئيا إلى ما بعد مرحلة مصادقة البرلمان على ميزانية العام، أي في كانون الثاني/ يناير القادم.

تستبعد المسدي أيضا طرح إجراء تغير حكومي في الوقت الحالي، إذ تقول " لا أعتقد ان التعديل الحكومي سيحل المشكلة الاقتصادية أو المشكلة السياسية حتى لو تغيرت كل الحكومة، لأن الأزمة أعمق بكثير، هناك أزمة في السلطة التنفيذية وضعف السلطة التنفيذية وعدم قدرتها على إدارة الأزمات، سواء أزمة كورونا أو الأزمة الاقتصادية، هناك أيضا تخبط وفوضى في السلطة القضائية".

ويحذر كلا من المسدي وبن يونس من انفجار موجة من الاحتجاجات في حل استمرت الخلافات، وفشلت الحكومة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

إذ تقول المسدي إن "ما يحدث في تونس أزمة سياسية حقيقة وأزمة في الحكومة، وأعتقد أن هذه الأزمة مع وجود الأزمة الاقتصادية والخلافات بين البنك المركزي وبين الحكومة بخصوص الميزانية،  قد ينتج عنها انفجار اجتماعي واحتجاجات عارمة".

بينما يشدد بن يونس على أن "أولوية الشعب الآن هي أولوية اقتصادية اجتماعية"، لافتا إلى أن هناك "تخوفات من أن تشهد الفترة المقبلة مزيد من الاحتجاجات في ظل تلويح النقابات بإضرابات في عدة قطاعات".

في السياق نفسه، يقول النائب في البرلمان التونسي عن الكتلة الديمقراطية أنور بن الشاهد، في تصريح لوكالة سبوتنيك، إن "حكومة المشيشي تولت مهامها في وضع اجتماعي واقتصادي صعب وهي لا تحوز على دعم سياسي قوي وفي نفس الوقت إلى حد الآن لم تبلور فكرة واضحة عن الحلول التي تراها للوضع مما جعلها تبدو متخبطة أو كأنها حكومة تسيير أعمال و ليست حكومة إنقاذ".

وحول الحديث عن إجراء تعديل حكومي، قال بن الشاهد إن "التعديل ليس هدفا في حد ذاته بل ربما يكون وسيلة للخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية، ولكن قبل ذلك علينا الاتفاق في إطار حوار وطني يضم مؤسسات الدولة و الأحزاب و المنظمات الوطنية و الخبرات حتى نضع خطة الإنقاذ ثم يقع النظر ان كانت هذه الحكومة قادرة بتشكيلتها الحالية على تنفيذها ام انها تستوجب تعديلا"، مؤكدا أنه "لا خطة إنقاذ ناجحة بدون توافق واسع وبدون هدنة اجتماعية تستوجب التفاف الجميع حولها".

ويدعم بن الشاهد فكرة الدعوة إلى حوار وطني شامل، ويرى أنه من "المفارقة" أن تدعو المعارضة في تونس إلى إجراء هذا الحوار، بينما تسعى ما وصفهم بـ"أحزاب المولاة" إلى "التهرب من الحوار بقصد الابقاء على عزلة المشيشي و من ثمة فرض تحرير [مخطط]  حكومي عليه".

يذكر أن رئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي أدى اليمين الدستورية لتولي مهام منصبة أمام مجلس النواب التونسي في الثاني من أيلول/سبتمبر الماضي، بعد أزمة سياسية حادة بين البرلمان ورئاسة الجمهورية والحكومة.

وحكومة المشيشي هي الحكومة الثالثة منذ انتخاب مجلس النواب الحالي في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، بعدما أستقالة حكومة يوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ.

وكان المشيشي قد تعهد أمام البرلمان بالتعاون مع كافة الأحزاب السياسية، وأعلن أن برنامجه قائم على 5 أولويات هي وقف نزيف المالية العامة وإصلاح الإدارة والقطاع العمومي واستعادة الثقة ودعم الاستثمار والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن وحماية الفئات الهشة ومساندتها حتى نهاية جائحة كورونا.

وتراجع نمو الاقتصاد بأكثر من 21 بالمئة في الربع الثاني هذا العام بسبب تداعيات فيروس كورونا، وقدر حجم العجز في الميزانية خلال النصف الأول من العام الحالي بنحو 3.847 مليار دينار تونسي (حوالي 1.4 مليار دولار)، مقابل 2.453 مليار دولار خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.