اتفاق استئناف إنتاج النفط في ليبيا.. خطوة للحل أم صفقة لإبقاء الوضع على ما هو عليه؟

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 21 سبتمبر 2020ء) سلمى خطاب. أثار الاتفاق الذي تم الإعلان عنه الجمعة الماضية بين قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ونائب رئيس مجلس الوزراء بحكومة الوفاق أحمد معيتيق حول استئناف إنتاج النفط من الحقول الليبية، وتقاسم العائدات، حالة من الجدل والتباين في الآراء، بين من رأي هذه الاتفاق وسيلة لوقف المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة وإبقاء الوضع على ما هو عليه، ومن اعتبره خطوة أولية للاتفاق بين الأطراف المتحاربة منذ أكثر من عام في ليبيا لإبقاء الوضع على ما هو عليه.

والجمعة الماضية أعلن كل من حفتر ومعيتيق الوصول إلى تفاهم بشأن استئناف إنتاج النفط وتشكيل لجنة فنية مشتركة من الأطراف تشرف على الإيرادات وضمان التوزيع العادل للموارد.

التفاف على الحل السياسي

الباحث السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم اعتبر في تصريح لوكالة "سبوتنيك" أن هذا الاتفاق "يخلق واقعا جديدا، وينسف المسار السياسي الذي ترعاه الامم المتحدة"، حيث قال " هذه الصفقة اقتصادية سياسية ما بين طرفين في الداخل الليبي، ربما هما الأضعف الآن، اتحدت عن قيادة الجيش او الممثل عن الجيش سياسيا المشير خلفة حفتر، وحكومة الوفاق، هذه الصفقة تمت بمبدأ الربح للجميع وإعادة ضخ النفط".

وأوضح بلقاسم "هذه الصفقة تخلق واقعا جديدا، الرابح منه سياسيا هما الطرفين الأضعف حكومة الوفاق والجيش بقيادة حفتر، على حساب الطرفين الأقوى، وهما مجلس النواب وبقية جسم حكومة الوفاق بقيادة خالد المشري [المجلس الأعلى للدولة]، وهذا يقلل من حدود التسوية السياسية".

وتابع بلقاسم "يمكننا القول أيضا أن حكومة الوفاق تستفيد بشكل أساسي من هذه الصفقة لأنها قسمت عائدات النفط بين حكومة الوفاق والقيادة العامة للجيش الليبي، حكومة الوفاق يمثلها أحمد معيتيق، وقيادة الجيش يمثلها خالد خليفة حفتر نجل خليفة حفتر على أن يكون توزيع الإيرادات بنسبة 60 بالمئة لطرابلس، و40 بالمئة فزان، فالبنسبة لحكومة الوفاق هذه الاتفاقية أفضل من الطرح الذي قدمه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ضمن المسار الاقتصادي على أن يتم توزيع إيرادات النفط بين الأقاليم الثلاثية بنسبة 50 بالمئة طرابلس، 20 بالمئة فزان، و30 بالمئة برقة، وفهذه الاتفاقية أقرب

لأن تكون حكومة الوفاق مستفيدة حتى على المستوى المادي، وفي نفس الوقت، هذه الاتفاقية تعيد خليفة حفتر كلاعب قوي وأساسي في المشهد السياسي، بل كمفاوض قابل في الدخول في أي صفقة مرضية بالنسبة له".

وأردف بلقاسم "بشكل عام، هذه الصفقة مغرية، وكلا الطرفين رابح فيها [حفتر والسراج]، لكن لا آراها تنسجم مع التسوية السياسية، لأنها تخلق واقعا جديدا، وهذا الواقع قد ينسف التسوية السياسية المرتقبة من الأمم المتحدة، والمسارات الثلاثة التي ترعاها، السياسي والاقتصادي والأمني"، مؤكدا "لو نجحت هذه الصفقة لن يكون للمسارات السياسية أي معنى لأن الصفقة ستكون مباشرة، ومشروع مباشر بين الليبيين وهذا يتطلب ظروف جديدة ومشروع جديد، لأن الطرفين سيستمران في وجودهما، بمعنى أن حكومة الوفاق ستمدد من عمرها، وحفتر سيعود قوي مرة أخرى".

وبحسب بيان صادر عن الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، فإن استئناف إنتاج النفط سيكون لمدة شهر واحد، وأشار البيان إلى أن الحوار الليبي - الليبي الداخلي بدأ بمشاركة وتفاعل إيجابي من معيتيق، إذ اتفق المتحاورون على توزيع عادل لعائدات النفط، بشكل يخدم جميع الليبيين المقيمين في المناطق الشرقية والغربية والجنوبية على حد سواء، كما تم تشكيل لجنة مشتركة مهمتها حل جميع الخلافات والمسائل العالقة بين جميع الأطراف.

وتنقسم ليبيا ومؤسساتها بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في طرابلس وبين الجيش الوطني بقيادة حفتر، وتعقدت الأزمة الليبية بعدما شن حفتر هجوما في نيسان/ إبريل من العام الماضي على طرابلس بهدف السيطرة عليها، وهو الهجوم الذي استمر لأكثر من عام، قبل أن يعلن الطرفين وقفا لإطلاق النار بعد مفاوضات دولية عديدة.

ونهاية الأسبوع الماضي، أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج عزمه تسليم مهام منصبه للسلطة التنفيذية المقبلة في موعد أقصاه نهاية تشرين الأول/ اكتوبر المقبل، والجمعة أعلن حفتر استئناف إنتاج النفط.

لكن بلقاسم تحدث عن عدة اعتبارات لنجاح هذا الاتفاق، وأوضح "نجاح هذه الصفقة مرهون بعدة اعتبارات، اولا يجب أن نلفت الانتباه إلى أن هذه الصفقة عقدت في مدينة سوتشي، فهي صفقة روسية في وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، ونجاح الصفقة من عدمه يكمن في عملية القبول الدولي والترحيب الدولي من قبل الأطراف الدولية المنخرطة في ليبيا لهذه الصفقة، لو لم تقبل القوى الدولية هذه الصفقة فلن يكن لها أي معنى ولن تمر وستبقى مجرد تفاهمات ينظر لها على أنها محاولة للالتفاف على المسار السياسي".

وأضاف "هذه الصفقة أيضا مرهونة بموافقة الولايات المتحدة الأميركية، وعلينا أن ننتظر القراءة الاميركية للصفقة والكشف عن تفاصيلها ومعرفة ما سيحدث بعدها"، مشددا "المسألة كلها مرهونة بعدة مسارات، لكن ما يحدث الآن ليس مع التسوية السياسية وإنما لإبقاء الوضع على ما هو عليه".

كما لفت بلقاسم إلى حالة الاختلاف بين الأطراف السياسية الليبية، وعدم توافقهم على مسار واحد للحل، حيث قال "الأطراف السياسية الآن لا يبدو أنها متفقة على مسار واحد أو رؤي سياسية واحدة، ونحن الآن أمام 3 خيارات وهي، نجاح التسوية السياسية ووجود سلطة جديدة، والخيار الثاني هو نجاح الصفقة بين حكومة الوفاق وبين الجيش ما يطيل من عمر حكومة الوفاق وأن تصبح حكومة الوفاق حكومة وحدة وطنية أو الخيار الثالث هو ردم العملية السياسية من خلال استخدام القوة الصلبة كما حدث في إبريل 2019 حين سمحت القوى الدولية للمشير خليفة أن يهاجم طرابلس ويكسر حالة الجمود السياسي ع�

�دما سد الأفق أمام مؤتمر غدامس الذي كان من المفترض أن يعقد العام الماضي، ولكن انفرط الأمر وبدلا من كسر حالة الجمود السياسي وأصبح هذا الهجوم كاسرا لظهر ليبيا ودخلنا في حرب أهلية استمرت لأكثر من عام وتوقفت بعد العديد من المشاورات وتدخل العديد من الأطراف الدولية".

اتفاق يمكن البناء عليه

على الجانب الآخر، اعتبر نائب وزير الخارجية الليبي الأسبق مصطفى الزايدي أن هذا الاتفاق خطوة إيجابية كونه اتفاقا تم بين الليبين أنفسهم دون تدخل خارجي، حيث قال في تصريح لوكالة "سبوتنيك" إن "هذا الاتفاق بين أطراف ليبية دون تدخل خارجي وحقيقة هذا الاتفاق مبشر أي كان حجم تأثيره، يبشر ان الليبيين إذا قرروا الجلوس والتوافق سيتوافقون".

وأضاف الزايدي "النقطة الثانية الهامة هي أن هذا الاتفاق تعلق بمسألة تختص بحياة الناس ومعاناتهم ولم يتطرق إلى تقاسم السلطة لأن كل العبث الذي تديره بعثة الأمم المتحدة والتدخلات الخارجية حول الحل السياسي، هذا العبث يتركز حول تقاسم السلطة بين أشخاص في واقع الأمر مسؤولين سياسيا عن ما وصلنا إليه".

ورحب الزايدي بالاتفاق، وقال "نحن نرحب بهذا الاتفاق وندعمه ونتمنى أن يكون نقطة بداية لحوار ليبي بين الأطراف الليبية للخروج من النفق الذي نعيش فيه، ليبيا الآن دولة فاشلة، والمواطن الليبي يعيش حياة كئيبة وتعيسة جدا، ورجع مستوى المعيشة إلى بدايات القرن الماضي بلاكهرباء وبدون أموال وبدون وقود، وللاسف ما يسمى بالمجتمع الدول عندما تدخل في ليبيا تذرع في ذلك الوقت بحماية الليبيين نتيجة للأكذوبة التي اطلقتها وسائل الإعلام الغربية أن نظام القذافي يقتل شعبه، هي أكذوبة كبيرة، فتدخل لإسقاط النظام وانتج بعد ذلك معاناة".

ولكن الزايدي توقع أن يواجه هذا الاتفاق صعوبة في التنفيذ، وقال "نتمنى أن يتم تنفيذ [الاتفاق] لكن الأزمة الليبية في الداخل تدار من خلال تنظيمات إرهابية خارجة عن القانون، وخارجيا تدار لمصلحة دول الغرب وتركيا ودول عربية لها أجندات لم تعد خفية بهدف إبقاء الوضع على ما هو عليه، ولكن نحن مجرد الاتفاق بين الليبيين حول قضية حياتية تهم المواطن الليبي هي نقطة أساسية سيبني عليها بلا شك".

المجلس الأعلى للدولة يدعو للتحقيق

في سياق مختلف، أعلن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا [برئاسة خالد المشري] اليوم الأحد رفضه للاتفاق، داعيا حكومة الوفاق إلى فتح تحقيق في هذه الواقعة.

وقال المجلس الأعلى للدولة الليبية في بيان، اليوم الأحد إنه "بالنظر إلى المعلومات والبيانات المتداولة في وسائل الإعلام المختلفة بشأن اتفاق نائب رئيس مجلس رئاسة الوزراء السيد/ أحمد عمر معيتيق مع الجهة غير الشرعية المسيطرة على حقول الحقول والموانئ النفطية بقيادة مجرم الحرب خليفة حفتر، نؤكد رفضنا لهذا الاتفاق المخالف للمبادئ الحاكمة بالاتفاق السياسي والقوانين المعمول بها"، مؤكدًا "وعليه، يطلب منكم (حكومة الوفاق) فتح تحقيق عاجل في خلفيات هذه الحادثة، وما إذا كانت هناك أي جهة أخرى لها علاقة بهذا الإجراء وإحالة صورة من نتائج التحقيق إلينا لات�

�اذ الإجراء المناسب حياله".

وفي تعليق مقتضب، قال عضو مجلس الدولة الليبي كمال الجطلاوي لوكالة سبوتنيك "كلنا امل الشهر القادم يخرج مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية والتوافق على المناصب السيادية وتبدأ البلاد في الخروج التدريجي من أزمتها".

يذكر أيضا أن المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أعلنت أمس السبت رفع حالة القوة القاهرة عن الحقول والموانئ النفطية الآمنة، واستئناف الإنتاج والتصدير منها، لكنها أشارت إلى حالة القوة القاهرة ستظل مستمرة على الحقول التي يسيطر عليها المسلحون.