كوريا الجنوبية .. معجزة تنموية عمرها 75 عاما

أبوظبي (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 14 أغسطس 2020ء) تحتفل جمهورية كوريا الجنوبية، غدا السبت، بالذكرى الـ 75 ليوم التحرير الذي يصادف 15 أغسطس من كل عام، ويشكل مناسبة وطنية للاحتفاء بما تحقق من تقدّم وتطور شمل مختلف نواحي الحياة بفضل إرادة التغيير والنهوض لدى الشعب الكوري الجنوبي الصديق.

ونجحت كوريا الجنوبية خلال العقود الماضية في تحقيق معجزة تنموية حولتها من دولة تئن تحت وطأة الحروب والصراعات الداخلية، واقتصاد يعتمد تماما على الزراعة وصيد الأسماك، ومستوى تعليم منخفض، إلى دولة تمثل قوة اقتصادية عالمية ونموذجا للتطور المبني على الابتكار والمعرفة.

وشكل عام 1961 نقطة الانطلاق في مسيرة النهضة الشاملة التي شهدتها كوريا الجنوبية وذلك مع وصول الرئيس بارك تشونج إلى الحكم وإصراره على انتشال البلاد من الفقر إلى الثراء عبر خطة اقتصادية خمسية متكاملة حققت نموا اقتصاديا بمعدل 8.9 % بين عامي 1962 و 1966.

وشهدت تلك الفترة ظهور مصطلح "شايبول" الذي يرمز إلى سياسة اقتصادية قائمة على تقديم الدعم المالي والإعفاءات الضريبية للشركات الكبيرة التي تديرها عائلة واحدة، بهدف تحويلها إلى كيانات عملاقة تسهم في تعزيز قوة اقتصاد البلاد بأسرها، وتعتبر " سامسونغ" و "دايو" و "هيونداي" من أبرز الشركات التي استفادت من تلك السياسة.

وانصب اهتمام كوريا الجنوبية في تلك الفترة على المهارات التقنية وتطوير الصناعة وخفض كلف الإنتاج بهدف تعزيز الصادرات، وبالفعل فقد نجحت في صناعة أول سيارة من نوع هيونداي، وأسست شركة دايو الشهيرة، وفي أواخر الستينيات أصبحت سامسونج أفضل شركة لتصنيع التلفزيون عالمياً.

وفي عام 1972 أطلقت كوريا الجنوبية برنامجاً للتصنيع الثقيل، تحولت معه في غضون عشر سنوات، إلى أكبر مجمع لصناعة الفولاذ في العالم، ومقر لثاني أكبر شركة لبناء السفن على وجه الأرض، بدخل يصل إلى 26 مليار دولار سنوياً.

وفي عام 1997 وقعت أزمة النمور الآسيوية والانهيار الاقتصادي، فاضطرت كوريا لاقتراض 58 مليار دولار من البنك الدولي، وبدا أن البلاد أمام مستقبل مجهول، إلا أن ما فعله الكوريون الجنوبيون في الأيام التالية للأزمة المالية، أدهش العالم بأسره، حيث سارع المواطنون الى التبرع بما لديهم من ذهب، وجمعوا لبلدهم المليارات، وفي غضون ثلاث سنوات سددت كوريا الجنوبية قرض البنك الدولي، وقفزت عائدات صادراتها الخارجية إلى 99 مليار دولار عام 2001.

وتعتبر كوريا الجنوبية اليوم من أكبر الكيانات الاقتصادية في العالم، فهي ثالث أكبر مصدّر لأشباه الموصلات في العالم، وأحد أبرز مصنعي السيارات والهواتف المحمولة، وجميع أنواع التقنية الحديثة، كما تحتل المراكز الأولى ببراءات الاختراع سنوياً، واقتصادها يضيف ما بين 180 إلى 300 ألف وظيفة كل عام، وتسجل صادرات تقدر بـ 580 مليار دولار في السنة.

وتوقع تقرير صادر مؤخرا عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ارتفاع ترتيب كوريا الجنوبية في التصنيفات العالمية للناتج المحلي الإجمالي بثلاث درجات إلى المرتبة التاسعة في عام 2020 على الرغم من الانكماش الاقتصادي الذي يشهده العالم نتيجة تداعيات فيروس كورونا.

واللافت في تجربة كورية الجنوبية هو الدور المحوري للعلم، فلقد أدركت مبكرا أنه لا أمل لنهضتها إلا بتحقيق طفرة علمية وتكنولوجية تمكنها من تعويض افتقارها الشديد للموارد الطبيعية.

وتمكنت كوريا الجنوبية من تأسيس نظام تعليمي أسهم بشكل كبير في مسيرة التنمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي عام 2012 بلغت ميزانية التعليم 53 تريليون وون كوري "47 مليار دولار أمريكي" وهو ما يمثل 16.3 في المائة من ميزانية الدولة في تلك الفترة.

ويعتبر نظام التعليم في كوريا الجنوبية من الحضانة حتى المرحلة الثانوية أحد أفضل النظم التربوية والتعليمية في العالم، فقد حصلت على المركز الأول في تقرير بيرسون لعام 2014 عن أفضل نظام تعليمي في العالم في المهارات المعرفية والتحصيل العلمي.

وتتميز كوريا الجنوبية بأعلى معدل للالتحاق الإجمالي بالتعليم العالي على مستوى العالم، كما أن معدل إنفاق العائلات في كوريا الجنوبية على التعليم يفوق معدل إنفاق نظيراتها في الدول الأخرى بأربع مرات.

ويركز نظام التعليم في كوريا الجنوبية على تشجيع الطلبة والتعرف إلى مواهبهم وكفاءتهم في مرحلة مبكرة، ومتابعة تعليمهم الذي يركز على المهنة طوال مراحل الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية.

وتبلغ المساحة الإجمالية لكوريا الجنوبية 99392 كيلومتراً مربعاً، ويتجاوز عدد سكانها 51 مليون نسمة، فيما تعتبر العاصمة سيول أكبر مدن الدولة ويقطنها نحو 10 ملايين و118 ألف نسمة.

ويعتبر الترابط الأسرى والمجتمعي واحدا من أهم عادات وتقاليد الكوريين الجنوبيين الذين يحرصون على تكوين أسر سعيدة ومترابطة طوال العمر، ويتشاركون المناسبات مع بعضهم البعض سواء كانت سعيدة أم حزينة.

ويشتهر الكوريون الجنوبيون بروح التعاون والمشاركة وبحبهم وإخلاصهم للعمل حتى إنهم قرروا الاعتماد على الذات وإنتاج ما يحتاجونه من كافة السلع الاستهلاكية، ويعتبر احترام الوقت والانتظام في المواعيد وسرعة الإنجاز سمة رئيسية لدى كافة أفراد المجتمع.

ويتمسك الكوريون الجنوبيون بالكثير من العادات والتقاليد التي قد يراها البعض عادات غريبة ولكنها تحظى بأهمية كبيرة لديهم ولا يجوز الإخلال بها، ومن هذه العادات، قيامهم بإخفاء الأحذية بنهاية كل عام حتى لا تعثر عليها الروح الشريرة التي تصيبهم بـ "سوء الحظ"، كما يخافون النوم أسفل "المروحة" حتى لا يدركهم الموت كما يعتقدون، ويتشاءم الشعب الكوري الجنوبي من الرقم "4" ويعنى بالنسبة لهم "الوفاة".

ومن أغرب العادات والتقاليد في كوريا الجنوبية أن الأشخاص المتشابهين في اسمهم الثاني لا يمكن أن يتزوجوا، فلا يجوز أن يمتلك الزوجان نفس اسم العائلة، كما يعرف عن الكوريين الجنوبيين كرههم لما يسمى بالإكرامية أو البقشيش.

وتحل مناسبة "يوم التحرير" هذا العام تزامنا مع مرور 40 عاما على تأسيس العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا الجنوبية والتي شهدت تطورا استثنائيا جعلها ترتقي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات.

وترتكز العلاقات بين الإمارات وكوريا الجنوبية على دعم القيادتين في كلا البلدين وحرصهما على توثيق أواصر التعاون المشترك عبر الزيارات واللقاءات الرسمية المتبادلة وتشكيل اللجان المشتركة وتوقيع اتفاقيات التفاهم والتعاون.

وأثمرت الشراكة بين البلدين عن مشروعات كبرى في العديد من القطاعات الحيوية، أهمها: مشروع براكة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، ومشروعات الطاقة والنفط والغاز، إضافة إلى أن دولة الإمارات تعدّ حالياً أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي ثاني أكبر مزود للنفط لها.