تركيا في 2021 .. حراك دبلوماسي وتوازن بين مليارات الخليج وترقب لتغير الموازين إقليميا

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 03 كانون الثاني 2022ء) سماهر قاووق أوغلو. دفع تفاقم الأزمة الاقتصادية وعزلة تركيا شرقي المتوسط في العام 2021 أنقرة إلى تطبيع علاقاتها المتوترة مع دول المنطقة ومنها الخليجية في محاولة للخروج من أزمتها.

وبدأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته باتخاذ خطوات لتحسين علاقة بلاده مع كل من مصر والإمارات العربية المتحدة اللتين اتهمهما الرئيس التركي بتمويل محاولة انقلاب تموز/يوليو 2016، ومع السعودية وإسرائيل مع تقديم بعض التنازلات والتراجع عن بعض المبادئ، تمثلت في الحد من نشاط قياديي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا وإغلاق ملف جريمة قتل الصحافي السعودية جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2018.

وتأتي خطوات أنقرة التطبيعية عقب رفع الحصار الخليجي المفروض على قطر وقمة العلا المنعقدة بالسعودية برعاية مجلس التعاون الخليجي مطلع 2021 بهدف توطيد العلاقات.

ورأى المحلل السياسي والخبير التركي في شؤون الشرق الأوسط، أوز إرتم، أن تركيا قررت بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن وباء كوفيد – 19 والتي  أثرت على اقتصادها سلبا، إعادة النظر في علاقاتها المضطربة وباشرت العمل لتطبيع علاقاتها مع مصر ودول الخليج في مقدمتهم الإمارات العربية المتحدة.

وأوضح أوز إرتم، في مقابلة مع وكالة سبوتنيك، أنه "في هذا الإطار سعت تركيا إلى إنشاء طريق بديل لمسار الناقلات القادمة من الصين وآسيا والمارة من قناة السويس، حيث تعمل أنقرة على إنشاء خط نقل بين تركيا وإيران وباكستان أو بين تركيا والإمارات العربية المتحدة وباكستان، وفي هذا السياق يمكننا القول أن التطبيع بين تركيا والخليج يقوم على أساس اقتصادي".

وأشار الخبير أوز إرتم إلى أن انعزال تركيا شرقي المتوسط الذي شهد أزمات اقتصادية حادة خلال 2021 أجبر أنقرة على الانفتاح على بعض الدول من بينها مصر وإسرائيل.

وتابع "تم تضييق ساحة عمل تركيا شرقي المتوسط من خلال التعاون بين مصر واليونان وقبرص الجنوبية وإسرائيل، وتحاول تركيا الانفتاح على هذه الدول وتطبيع علاقاتها معها، وأول خطوة اتخذتها في هذا الإطار كانت مع مصر حيث عقد نائبي وزيري خارجية البلدين اجتماعات استكشافية لبحث الخطوات من أجل تطبيع العلاقات فيما بينهما".

وبحسب الخبير التركي فإن العلاقات بين القاهرة وأنقرة لم تشهد انفتاحا سياسيا حتى الآن، بيد أن العلاقات الثنائية بين البلدين مستمرة بدون انقطاع على الصعيد التجاري والاقتصادي.

واستطرد قائلا: "سنرى في الوقت نفسه أهمية إعادة النظر في العلاقات الثنائية بين دول المنطقة بناء على كيفية تشكيل التوازنات بليبيا في المرحلة المقبلة".

وبعد هزيمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو في الانتخابات العامة، وتسلم نفتالي بينيت السلطة بدأت أنقرة حواراً مع حكومة بينيت في محاولة منها لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب أسوة بالخطوات التي اتخذتها مع القاهرة.

ويرى أوز أرتم أنه "من الصعب القول إن هناك تحولاً سياسياً كبيراً في العلاقات بين كل من أنقرة وتل أبيب ومصر، على عكس العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي".

وحول الأسباب التي دفعت تركيا لتطبيع علاقاتها مع دول المنطقة في مقدمتها الإمارات ومصر، اعتبر الخبير التركي أوز إرتم أن تغير التوازنات في المنطقة من أهم الأسباب التي دفعت أنقرة للتطبيع.

وتابع موضحا "تبرز عدة أمور في إطار تغيير التوازنات أولها؛ استئناف المحادثات النووية مع إيران ومواصلة الأطراف المحادثات حول بعض السيناريوهات المتعلقة بموقف طهران المحتمل، ولا بد أن تتمخض نتائج سياسية عن المحادثات الجارية مع إيران".

وأضاف: "الأمر الثاني الذي دفع أنقرة للتطبيع هو تغيير التوازنات في سوريا، حيث تواصل الأطراف المباحثات حول معادلة سياسية مختلفة تضم الرئيس السوري بشار الأسد  بعد لقاءات أجراها ملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين في روسيا والولايات المتحدة الأميركية إلى جانب التوازنات شرقي المتوسط".

وأشار الخبير التركي إلى أن أنقرة "تسعى إلى تضييق نطاق الجبهة المناهضة لها في التوازنات الثلاثة والبحث عن سياسة خارجية جديدة تمكنها من فتح قنوات حوار مع الدول التي اضطربت علاقاتها معها".

ولفت أوز إرتم إلى أن الإمارات العربية المتحدة تتبع موقفاً مماثلاً لموقف تركيا موضحا: "لا يقتصر سعي الإمارات إلى تحسين علاقاتها على الحوار مع أنقرة فقط، بل تسعى أيضاً إلى تحسين علاقاتها مع كل من سوريا وقطر".

وتابع: "بمعنى آخر يمكن القول إن التحول في التوازنات الاقليمية دفع اللاعبين الإقليميين لإعادة النظر في سياساتهم الخارجية ومهد الطريق لاستئناف الحوار مع بعض الدول المعنية لتقليل المخاطر".

وبحسب الخبير التركي فإن إعادة العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي سيكون أسهل مقارنة مع البلدان الأخرى نظرا للمزايا التجارية وتمكن البلدان اللذان لا توجد بينهما حدودا مباشرة من مناقشة بعض القضايا بأريحية".

واعتبر أن "عملية تطبيع العلاقات بين أنقرة وكل من القاهرة وتل أبيب تسير ببطء إذ لم يتم التقاط ديناميكية مماثلة في معادلة الشرق الأوسط".

واضطرت أنقرة للتراجع عن بعض مبادئها وتقديم التنازلات في إطار تطبيع علاقاتها مع الخليج ومصر، وفي هذا السياق قامت باتخاذ بعض التدابير للحد من نشاط قياديي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا وتحذيرهم من انتقاد حكومات بلدانهم وذلك بناء على طلب الإمارات ومصر الأمر الذي اعتبره بعض الخبراء تراجعا عن السياسة المتمحورة حول الإخوان المسلمين، كما أوقفت أنقرة أنشطتها شرقي المتوسط في ظل الحوارات مع اليونان ومصر.

ورأى الخبير أوز إرتم، أنه من الصعب القول إن "أنقرة ابتعدت عن جماعة الأخوان المسلمين وتخلت عنهم بشكل كامل" موضحا: "يمكننا القول أن أنقرة تتجه نحو نقل مسألة الإخوان المسلمين إلى أرضية بحيث لا تصبح مشكلة في العلاقات الثنائية وذلك من خلال إدارتها بطريقة محكمة قدر الإمكان".

وأشار الخبير التركي إلى أن هناك الكثير من الأمور والقضايا التي لا زالت مجهولة، ونحن على عتبة عام 2022 وقد تؤثر على السياسات الخارجية لأنقرة وعلاقاتها مع دول المنطقة.

وتابع: "ستستمر السياسات الاقتصادية في التأثير بشكل مباشر على السياسة الخارجية عام 2022".

وأضاف: "هناك التوتر الحاصل بين روسيا وأوكرانيا في شمالنا، وموقف حلف الشمال الأطلسي (ناتو) منه سيؤثر بشكل مباشر على موقف تركيا العضو في الحلف والتي عززت علاقاتها بشكل كبير في الفترة الأخيرة مع روسيا، لذا يمكننا القول أن المخاطر تتجمع في الشمال".

وفيما يتعلق بجنوب تركيا قال أوز إرتم، "لم يتم حتى الآن حل أزمة ادلب شمال غربي سوريا، إلى جانب مسألة صياغة الدستور السوري، كما لا يزال الغموض يحيط الوضع في ليبيا. هل ستعود الاشتباكات أم سيتم إيجاد حل سياسي للأزمة! قد تؤثر هذه المسألة على علاقات تركيا -التي تدخلت عسكريا في ليبيا- مع دول المنطقة وسياساتها الخارجية في المرحلة المقبلة".