دور القهوة والماء في بناء مشترك ثقافي بين العرب والإسبان

دور القهوة والماء في بناء مشترك ثقافي بين العرب والإسبان

مدريد (پاکستان پوائنٹ نیوز ‎‎‎ 10 اكتوبر 2021ء) شهدت فعاليات "أيام الشارقة الأدبية" التي تنظمها هيئة الشارقة للكتاب بالتعاون مع "البيت العربي" في اسبانيا سلسلة من الجلسات النقاشية والندوات المعرفية التي تتناول حجم التبادل الثقافي التاريخي بين العرب والإسبان حيث جمعت "الأيام" في كل من مدريد وقرطبة نخبة من الأدباء والباحثين والكتاب في حواريات مفتوحة حول تاريخ القهوة في المنطقة العربية واسبانيا، ورمزية الماء ودلالاته في الأدب الأندلسي.

وجاءت الجلسات التي عقدت في كل من مدريد وقرطبة بعنوان "رحلة القهوة العربية" وتحدث خلالها سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث وإنكارنا جوتيريز وألفونسو كوبادو فيما حملت الجلسة الثانية عنوان "الماء في الشعر العربي والأندلسي" وتحدث خلالها كل من عوض خليفة بن حاسوم الدرمكي وخوسيه ميغيل بويرتا وخوان أنطونيو بيرنييه بحضور سعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب.

وقال الدكتور المسلم إن القهوة تعد أساساً للضيافة في المجالس العربية و هي رمز من رموز الكرم لذلك فإنه بعد إعلان اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971 تم وضع دلة القهوة على الدرهم في تأكيد على اعتزاز الإمارات بهذا الرمز.

وأضاف أن الدرهم الإماراتي يحمل واحدا من أشكال وأنواع الدلال المعروفة في المنطقة العربية وهي الدلة القريشية التي تصنع من النحاس وتوضع لها أقراط مشيراً إلى أن أول دلة استخدمت في الإمارات تاريخياً هي دلة صنعت من الفخار وصنعت في وادي حقيل /حجيل/ في رأس الخيمة.

وعن أنواع دلال القهوة أوضح المسلم أن دلال القهوة في الإمارات ثلاث وهي الدلة الكبيرة التي تسمى الخمرة وذلك لأن القهوة تختمر بها والدلة الثانية هي المزلة والثالثة هي التلجيمة التي تلقم فيها القهوة بالمطيبات لافتاً إلى مطيبات القهوة عديدة ومنها الزعفران والهال وماء الورد والقرنفل و للمبالغة تضيف بعض القبائل العود في القهوة وتسمى حينها /قهوة العود/.

وتحدث عن ما يعرف في القهوة الإماراتية العربية بالفنجان المسبوع وهو الذي يضاف إليه عدة نكهات ماء الورد والزعفران والقرنفل والهال وجوزة الطيب والبن مستعرضا أسماء فناجين القهوة في التقاليد الإماراتية منها فنجان الضيف وفنجان الكيف وفنجان السيف وفنجان الحيف وكلها لها حكايات مرتبطة بتقاليد الى جانب استعراضه لعادات شرب القهوة .

من جانبه توقف إنكارنا جوتيريز عند الدور التاريخي للقهوة في بناء جسور للتواصل والتبادل الثقافي بين العرب والإسبان مؤكداً أن القهوة ظهرت في الحبشة وانتقلت إلى اليمن ثم منطقة الخليج ليتسع انتشاها وتصل بعد ذلك إلى شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط كاملة في حين وصلت إلى أوروبا في القرن السادس عشر وتعزز حضورها في القرن السابع عشر وهو ما فتح الباب لعلاقات استيراد قوية بين المنطقة العربية وأوروبا عامة.

وأوضح أن استيراد القهوة لم يكن مقتصراً على حبوب البن وإنما شمل تبادلاً ثقافياً وحضارياً ودينياً كاملاً وصل مع القهوة إلى أوروبا مشيراً إلى أن هذ الدور التاريخي للقهوة ترسخ عبر الزمن وباتت القهوة اليوم رمزا للقاء والحوار والتواصل بحيث لم يعد أي حوار في العالم وخاصة في المنطقة العربية يجري إلا في سياق /لنشرب فنجان قهوة معاً/ في إشارة إلى بدء الحوار والتعارف.

من جانبه، أبدى ألفونسو كوبادو إعجابه الشديد بثقافة القهوة في الدول العربية خاصة دول منطقة الخليج وقال تعد القهوة من أهم رموز الضيافة لدى العرب نتيجة ارتباطها بتاريخهم العريق حتى أصبح لها تقاليد لإعدادها وطقوس لتناولها بينما الأمر مختلف في أوروبا وشبه الجزيرة الإيبيرية فهذه الثقافة ليست متجذرة وراسخة.

واستعرض أوجه الاختلاف في ثقافة تناول القهوة بين العرب والأوروبيين لافتاً إلى أن الإسبان والأوروبيين عموماً يتناولون القهوة بشكل سريع بينما يرتبط هذا المشروب في الدول العربية بالذوق ويعد مشروباً مهماً وجذاباً ويشعر من يتناوله بالسعادة.

وخلال جلسة "الماء في الشعر العربي والأندلسي" أكد خوسيه ميغيل بويرتا أنه مع ظهور الإسلام في الأندلس بدأ استخدام الماء ودلالاته في الشعر والأدب وفي النصوص الأندلسية بكثرة معيداً ذلك إلى أن ثقافة الإسلام قائمة على الصفاء والسلام والحياة ومؤكداً أن ذلك يمكن تلمسه في تأمل قصور الأمويين التي تتزين جدرانها بأبيات شعرية تتغنى بجماليات الماء بالإضافة إلى أنماطها المعمارية التي تستند على البرك والنوافير.

وتوقف خوسيه عند حضور الماء في العمارة الأندلسية والشعر الذي تغنى بالقصور في غرناطة مشيراً إلى أن الماء ظهر في عدة أوصاف كان أبرزها الفضة ووظف الشعراء جمالياته في الغزل وفي المديح وفي الرثاء وفي وصف الأمكنة للحد الذي بات فيه الماء مقابلاً للجنة في الأدب الأندلسي والنار مقابلاً للجحيم.

و استحضر الشاعر والمترجم خوان أنطونيو بيرنييه مجموعة من النصوص التي تكشف حضور الماء في الشعر العربي والأندلسي مؤكداً أن الماء يمكن أن يشكل جسراً يربط الماضي بالحاضر من خلال التجربة الشعرية.

من جانبه أشار عوض الدرمكي إلى مكانة الشعر والشعراء عامة في الثقافة العربية موضحاً أن القبيلة العربية كان إذا نبغ فيها شاعر تتوافد إليها القبائل وتهنئها به لأنه سيحفظ ذاكرتها ويروي أمجادها لهذا كانت تقام الأسواق للاحتفاء بالشعر والشعراء قديماً.. معتبرا أن العرب أهل عمارة وبناء تاريخياً لافتاً إلى أنهم حين عاشوا في الأندلس نقلوا فنون العمارة معهم الأمر الذي كشف حجم عنايتهم بالشعر والشعراء إذ باتت القصور تحمل القصائد على جدرانها وباتت المعالم المعمارية والساحات يظهر ذكرها في قصائد كبار الشعراء الأندلسيين.

من جانبه قال سعادة أحمد بن ركاض العامري إن الحديث عن مد جسور التواصل وتعزيز المشترك الثقافي بين العرب ونظرائهم من الأمم في العالم ظل بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ..فعل ً يتجسد على أرض الواقع ونلمس أثره ونكشف تأثيره وعمقه في الكثير من المبادرات والجهود ففي فعاليات /أيام الشارقة الأدبية/ ظهر حجم التقارب والتأثير المتبادل بين الثقافتين العربية والإسبانية وبرزت القيم التي يمكن الاستناد عليها لمزيد من العمل البناء لتوسيع أفق المشروع الحضاري للإمارة.

وأضاف نحن نؤمن أن الأمم القوية تنهض بانفتاحها على العالم وتوسع أفق حوارها معه ولكن بالاستناد إلى تجربتها الأصيلة وما شهدناه في فعاليات /الأيام/ من تفاعل وحضور إسباني كبير يعكس التأثير الكبير والتاريخي للثقافة العربية على أوروبا كاملة، ويعزز رؤيتنا تجاه الانطلاق من هويتنا الخاصة لفتح حوار متكافئ ومثمر مع مختلف الثقافات والحضارات في العالم.