لبنان.. قوى السلطة تتظاهر ضد نفسها

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 17 يونيو 2021ء) وسام متى. يزداد المشهد اللبناني العام عبثية، في خضم أسوأ أزمة اقتصادية-اجتماعية تشهدها البلاد منذ قيام دولة لبنان الكبير قبل قرن من الزمن. وفي ذروة حرب البيانات التي تشهدها الحلبة السياسية على خلفية الفشل في تشكيل الحكومة اللبنانية، والتي كان آخرها التراشق بين الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، نفذت القطاعات النقابية الموالية للسلطة نفسها، اليوم الخميس، إضراباً عاماً احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية وللمطالبة بالمضي في عملية تشكيل الحكومة.

وجاءت الدعوة إلى الإضراب والتظاهر اليوم بدعوة من الاتحاد العمالي العام، وهو الإطار النقابي الذي تحوّل منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي إلى منصة نقابية يتحاصصها زعماء الطوائف، المنضوين في السلطة السياسية الحاكمة.

المثير للانتباه أن القطاع المصرفي، الذي غالباً ما يشكو اللبنانيون أنه يحتجز ودائعهم، قد شارك بدوره في الإضراب العام، بجانب عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى.

وباستثناء القطاعات المحسوبة على الاتحاد العمالي والمصارف، لم يسجل التزام شعبي بالإضراب العام، حيث أبقت المحلات التجارية على اختلاف مجالاتها أبوابها مفتوحة، بحسب رصد قام به مراسل "سبوتنيك" في عدد من أحياء العاصمة اللبنانية بيروت وضواحيها.

وفي بعض المناطق، تجمع بضعة مئات للتظاهر، سواء كان الأمر استجابة لدعوة الاتحاد العمالي أو بشكل عفوي، فيما سجل قطع لعدد من الطرقات لفترة وجيزة.

وفي حديث إلى وكالة "سبوتنيك" قال رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، إن "الهدف من الاضراب هو الضغط باتجاه تشكيل حكومة انقاذ، بعدما بلغ الوضع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والصحي والتربوي مرحلة الانهيار".

وأضاف أن "هذا الاضراب هو الرابع من نوعه"، مشيراً إلى أن "التحرك العمالي مستمر حتى تحقيق الأهداف المرجوة"، ومعرباً عن أمله في أن يكون هذا التحرك "رسالة إلى المسؤولين السياسيين للتوقف عن الخلافات التي تؤدي إلى مزيد من المشاكل في لبنان".

مع ذلك، فإنّ القطاعات النقابية المستقلة والقوى المشاركة في الحراك الشعبي بدت متشككة في أهداف الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي، الذي ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره "أداةً في يد السلطة الحاكمة".

وبجانب الفتور الشعبي في التعامل مع الإضراب، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة سخرة من تحرك الاتحاد العمالي العام، حيث نشر ناشطون صوراً مركبة تظهر الرئيس اللبناني ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وعدد من المسؤولين، بما في ذلك رئيس الاتحاد العمالي ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، يتظاهرون ويحرقون إطارات، ويرفعون شعارات ضد انفسهم، في حين نشر كثيرون صورة ساخرة لزوجة رئيس مجلس النواب رندة بري، التي يتهمها ناشطون بالضلوع في عمليات فساد، تحت عنوان "الثورة انثى".

ومن بين التعليقات التي نشرها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي "شعار تظاهرة اليوم: النظام يريد اسقاط الشعب"، فيما سخر آخرون من الاعتصامات التي دعا إليها الاتحاد العمالي، حيث نشر بعضهم صورة تظهر مرشة مياه للمزروعات مشيرين إلى أنها الأداة التي ستستخدمها قوات مكافحة الشغب ضد المتظاهرين.

قال جورج عازار، من "المرصد الشعبي لمحاربة الفساد" لوكالة "سبوتنيك" أن رد الفعل الشعبي إزاء تحرّك الاتحاد العمالي العام يبدو "مبرراً".

وأضاف عازار "لقد عودنا نظام الطائفية والمحاصصة على مهاترات التعصب والتقوقع في كل مخاض لتشكيل الحكومات بدل ان يكون النقاش السياسي وتأليف الحكومات تحكمه صراع البرامج والافكار لا صراع الزعامات والهويات المذهبية".

وتابع " ها هي القوى السلطوية تلجأ لتوتير الشارع والضغط على بعضها البعض عبر تأجيج الصراعات الاهلية، ومع الاسف فإنّ ما يسمى بالاتحاد العمالي العام يساهم اليوم في تأجيج هذه القلاقل".

وذكّر عازار بأن "هذا الاتحاد اختطفته القوى الطائفية بعد اتفاق الطائف وطوعته عبر خلق النقابات الوهمية بغية اغتيال وتطويع العمل النقابي الديمقراطي في لبنان".

وتدهور الوضع المالي والاقتصادي في لبنان،  منذ خريف العام 2019، حيث انخفضت قيمة العملة الوطنية أكثر من 10 مرات مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات غير المدعومة بنسبة تتجاوز من 400 في المئة، وذلك في وقت يزداد النقص في الأدوية والبنزين والكهرباء، نتيجة لتراجع احتياطيات العملات الأجنبية في المصرف المركزي.

وأعلن المجتمع الدولي مراراً استعداده لتقديم المساعدة المالية للبنان، لكنه يربط ذلك بتشكيل الحكومة الجديدة وإقرار الاصلاحات الاقتصادي والمالية وتنفيذها، لكن القوى السياسية في البلاد لم تتمكن من الاتفاق على مبدأ تقسيم الحقائب الوزارية، حيث يصر الرئيس ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر المسيحي جبران باسيل على تعيين جميع الوزراء المسيحيين بما يمنحهم ميزة الثلث المعطل في الحكومة، وهو ما يرفضه رئيس الحكومة المكلف رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري الذي حظي موقفه، يوم أمس، بتأييد رسمي من رئيس مجلس النواب نبيه بري زعيم حركة "أمل" الشيعية ا�

�حليفة لـ"حزب الله"، وهو ما أثار توتراً على خط رئاستي الجمهورية ومجلس النواب اتخذ شكل حرب بيانات تضمنت انتقادات حادة من جانب كل طرف للآخر.