عضو هيئة الدفاع عن صدام يتحدث لسبوتنيك عن كواليس اللحظات الأخيرة وإصرار محاكميه على إعدامه

(پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك - 30 ديسمبر 2021ء) مصطفى بسيوني. بعد مرور 15 عاما على إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ما يزال مسار محاكمته ووقائعها تثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول المعايير، التي اعتمدتها والأسس القانونية التي ارتكزت عليها؛ لكن الشيء الذي اتفق عليه من كان على احتكاك مباشر معه، هو أن صدام لم يظهر خوفا لمحاكميه ولا لمستشاريهم الأميركيين، وكان يتوقع قرارا بإعدامه​​​.

عضو هيئة الدفاع عن صدام حسين، المحامي المصري، محمد منيب، اعتبر أن محاكمة صدام حسين افتقدت لمعايير العدالة؛ مبررا مشاركته في هيئة الدفاع أمام المحكمة، بأهمية معرفة ما يجري في المحاكمة وطرحه على الرأي العام، لفضح ما جرى.

وقال منيب، في حديث خص به وكالة "سبوتنيك"، "من المؤكد أنها لم تكن محكمة بالمعنى الدقيق وبالتوصيف الأكاديمي للمحكمة؛ ومن المؤكد أنه افتقدت كافة معايير العدالة. وسيكون هناك سؤالا مبدئيا، قبل أن أستطرد، لماذا عينتم محكمة لا تنطبق عليها المعايير، وغير عادلة؟

وإجابتي هي أن الحضور لم يكن حضورا في المحكمة، إنما كان حضورا من أجل أن يعرف العالم كله، أن هذا الشعب العربي به من يريد أن يفضح ما تم. وحاولنا قدر الطاقة أن نفضح ما تم؛ ولم يكن الهدف هو إخراج صدام حسين ومن معه من محبسهم، أو منع إعدامهم. هو نفسه ونحن والآخرون، كنا نعلم النتيجة التي ستصل إليها هذه المحكمة غير العادلة".

وأضاف، "هذه المحكمة أنشأت بقانون خاص، وكان ينبغي أن يتوافق مع ميثاق إنشاء المحكمة الجنائية الدولية .. نعم حاولوا أن يستنسخوا بعض النصوص؛ لكن وضعت بعض النصوص الأخرى، لكي تعصف بكل الضمانات للذين يحاكمون. والدليل أنه، مثلا، لا يجوز إصدار عقوبة الإعدام على المتهمين، في كافة المحاكم الحديثة والدول المتقدمة التي تحترم حقوق البشر. ولذلك لم تجرى المحاكمة خارج العراق بالمناسبة.

كانت هذه إحدى أسباب أن المحاكمة لم تجري خارج العراق. لأنهم كانوا مصرين على إعدامه".

وأوضح منيب، أنه لم يكن يتاح المجال للدفاع، لا للحديث كما يريد، ولا لتقديم ما يود؛ حتى أن المحكمة انتهت دون المرافعة الختامية للدفاع، رغم أن قانون المحكمة حدد أن، محامي المتهم هو آخر من يتحدث وهي قاعدة معروفة في العالم كله وليس في العراق فقط بالمناسبة.

وكشف منيب، عما اعتبره تدخل في مسار المحاكمة وانتقاص من حقوق الدفاع؛ قائلا، "لم يسمح لنا بالمرافعة النهائية؛ رغم أنها كانت معدة. أيضا، حتى تدرك طبيعة ما كنا فيه، كان هناك غرفة للقاضي، ملاصق لها بباب بينهما. غرفة لمستشارين أميركيين كان القاضي يتعامل معهم ويسألهم عما يمكن أن يتم، وكانوا هم يطلبون منه ما يطلب فينفذ ما يطلبونه منه.

وفي أكثر من جلسة، كان يتخذ قرارا ثم ترفع الجلسة، فنعود ونكتشف أنه ألغى القرار وأصدر قرارا آخر، بما فيه القرار الأخير بانتهاء المحاكمة، بلا دفاع؛ لأنه كان قد قرر تأجيل الموضوع لسماع مرافعات الدفاع الختامية. وفجأة دون أن يخرج، أعلن أن القضية قد حجزت للحكم، دون أن يسمع الدفاع".

وتابع المحامي قائلا، "عرفنا بوجود مستشارين أميركيين من المحامي الأميركي، الذي كان مستشارا للدفاع. كنا نرفض أن نجلس معه، لكنه كان يحدثنا في ردهات المحكمة. وقال، إن المحكمة فيها مستشارين أميركيين موجودون للقاضي. وأنا أريد مساعدتكم".

ولفت منيب إلى المصاعب والمخاطر التي واجهتها هيئة الدفاع، موضحا بالقول، "طبعا، ما بين جلسات المحاكمة كان هناك تعرض للاغتيالات بين المحامين. قُتل اثنان من المحامين، أحدهم سُحل في شوارع بغداد لأنه رفض أن يأتي ليجلس معنا في عمان. نحن كنا في عمان ثم نذهب في أوقات المحاكمة في أماكن خاصة في المنطقة الخضراء بحماية أميركية.

قال، أنا عراقي وأعيش في بغداد وسأبقى أعيش في بيتي، فسحلوه.

أُطلقت علينا النار في الملتقى في المحكمة، على أبواب المحكمة".

زيارة للسجن بشروط صدام

وتحدث منيب عن زيارته صدام حسين في محبسه؛ قائلا، "الزيارات في الحبس كانت تتم في غرفة كبيرة جدا، هُيأت وكأنها غرفة مكتبه. بمعنى أنه كان أمامه مكتب ضخم كبير، على يمينه بيرق علم العراق، وهو يرتدي بدلته الكاملة فيما عدا ربطة العنق. وكان يستقبلنا على باب الغرفة باعتباره رئيسا للجمهورية. ويصافحنا فردا فردا، ويسمح لنا بدخول الغرفة، ونجلس أمامه وهو على المكتب نصف ساعة إلى ساعة كيفما شئنا، ونخرج.

ثم بعد ذلك هو يُعاد إلى محبسه. يعني أنه لم يأت من محبسه أمامنا، لم يأت مقيدا؛ وأعتقد أن هذه كانت شروطه لقبول الزيارة: أن يُعامل كرئيس جمهورية. وعومل كرئيس جمهورية الحقيقة أنه فرض شروطه".

وأكد منيب، أن صدام حسين كان يدرك من حيث المبدأ أن نهايته محتومة، وكان يدرك أنهم يريدون رقبته؛ كان رجلا، ولم يكن خائفا منهم، وكان يستفسر عن بعض المسائل القانونية، باعتباره خريج كلية حقوق.

واستطر قائلا، "كان يعلم أن المحكمة غير قانونية؛ وكان يريد فضح المحاكمة الباطلة. كان في شموخ يذكر له، وفي عزة نفس لم تكن خفية على أحد. واعتقد أن لحظة إعدامه نفسها، التي شاهدناها جميعا على التلفزيون، تُنبئ بذلك وتؤكد ما أقول".

وأردف منيب، "سألته ذات مرة: ألا تشعر أن هناك أخطاء تمت؟

لم استخدم تعبير الندم لكن استخدمت تعابير، كان هناك قرارات من الممكن ألا تتخذ وكان من الأوفق أن يتخذ عكسها وإلى آخره.

تردد في الإجابة بما ينبئ ربما بأنه داخليا كان يقر بذلك؛ لكن هذه نوايا وأنا لا أفتش عن النوايا، ولا يمكنني أن أتحدث عن النوايا.

لكن فترة التردد في الإجابة، أعتقد أنها تُنبئ بشيء ما، لكن في الإجابة لم يكن نادما على شيء. لم يصرح بأن هناك قرارا ما اتخذه وبالتالي تسبب فيما حدث".

انتخابات أميركا وقرار الإعدام

وفي آخر زيارة لهيئة الدفاع لصدام حسين، قال، إنهم سيحاولون الإسراع بالمحاكمة، لأن انتخابات الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، اقتربت؛ وعلى ما يبدو، بدأ يخسر الأصوات، ولا بد أن يقدم لشعبه شيئا ما، في محاولة منه لإحداث توازن بين فشله الداخلي في المسألة الاقتصادية والسياسية، وبين تحقيق نجاحات عالمية، منها رأس صدام حسين.

"وأنا أعتقد أنه كان مصيبا لأن هذا تقديرنا، اختيار التوقيت ليس له أي علاقة إلا بانتخابات جورج بوش التي كانت على الأبواب"؛ يتابع المحامي المصري في حديثه، حول كواليس اللحظات الأخيرة.

ونفى منيب أن تكون هيئة الدفاع قد أخطرت بموعد تنفيذ حكم الإعدام، بالمخالفة لتقاليد العدالة؛ وقال "أعتقد أن هذا القرار كان متفقا على أن يكون مفاجئا وفي ليلة عيد الأضحى؛ لكي يكون هو ضحية العرب، هو الأضحية بما يرمز لها برمزية الضحية".

وألقت القوات الأميركية القبض على الرئيس العراقي صدام حسين، بالقرب من مسقط رأسه تكريت، بعد 6 أشهر من غزوها للعراق، بحجة البحث عن أسلحة دمار شامل. 

وأعدمت السلطات العراقية الجديدة، صدام حسين، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006، عشية عيد الأضحى؛ بعد محاكمة أثارت الكثير من الجدل.