من العراق إلى ليتوانيا .. قصة لجوء يرويها "العراقي" لسبوتنيك

بغداد، 13 نوفمبر – (پاکستان پوائنٹ نیوز / سبوتنيك) - محمد العراقي ​​​... هكذا يطلق على نفسه .. عراقي يبلغ من العمر 45 عاما من بين آلاف العراقيين الذين اختاروا الهجرة من العراق في الأشهر الأخيرة طلبا للجوء في أوروبا عبر بيلاروس من خلال شبكات التهريب العالمية، في موجة نزوح جديدة للعراقيين.

فكرة الهجرة من العراق وفقا لمحمد تعود إلى مطلع العام الماضي وتحديدا بعد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها محافظات عدة في وسط وجنوب البلاد في تشرين الأول / أكتوبر عام 2019 المعروفة بـ"ثورة تشرين " ضد الطبقة الحاكمة ونقص الخدمات وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة، حيث كان محمد أحد الناشطين في الاحتجاجات بذلك الوقت .

ويقول محمد في حديث لسبوتنيك " أنا ناشط مدني من ثوار تشرين في محافظة النجف، تعرضت للاختطاف من قبل مجموعة مسلحة وبقيت لمدة أسبوع تقريبا لدى هذه المجموعة وبعدها أطلقوا سراحي بعد تعذيبي وإيذائي جسديا وجميع أهالي النجف يعلمون بما حدث لي ".

وأضاف "بعد فترة وفي بداية العام الماضي وبسبب التهديدات المتكررة قررت الذهاب إلى محافظة أربيل ( في إقليم كردستان شمالي العراق) وبالفعل ذهبت إلى أربيل مع عائلتي المكونة من 7 أشخاص بعد أن قمت ببيع جميع أغراض منزلي من خلال الإنترنت ".

وتابع " في أربيل بقيت حتى منتصف الشهر السابع من العام الحالي وكنت أعيش مع عائلتي بما أملك من أموال بيع أغراض منزلي وأموال قليلة كانت تأتيني من أهلي في محافظة النجف ".

قرار السفر إلى بيلاروس

خلال تواجده في أربيل بإقليم كردستان العراق وفي بداية موجة نزوح العراقيين قبل أشهر طلبا للجوء في أوروبا عبر بيلاروس، قرر محمد السفر إلى مينسك ومنها الهجرة إلى إحدى الدولتين ليتوانيا أو بولندا .

يذكر ان السفر قبل أشهر من العراق إلى بيلاروس، كان يشهد إقبالا كبيرا من العراقيين ضمن مجاميع سياحية لمئات الأشخاص أسبوعيا .

ويقول محمد لسبوتنيك " من خلال بعض الأصدقاء في بغداد قمت بشراء الفيزا ( تأشيرات الدخول ) إلى بيلاروس لي ولعائلتي من أحدى شركات السياحة والسفر في العاصمة وكانت التذكرة الواحدة في وقتها 800 دولار للشخص الواحد، بعدها قمنا بالسفر إلى بغداد من أربيل ومن خلال مطار بغداد سافرنا ضمن كروبات (مجاميع) سياحية إلى بيلاروس، حيث بقينا هناك في أحد الفنادق لعدة أيام " ، لافتا "حسب معلوماتي كانت في وقتها 3 طائرات أسبوعيا من العراق إلى بيلاروس، وعلى متن كل طائرة المئات من الأشخاص ، وكانت الطائرات تعود فارغة ".

تجار التهريب يتعاملون بشكل أكبر مع العراقيين اللاجئين الأكراد

ويكشف محمد، في حديثه عن قصة اللجوء، وجود تعامل أكبر لتجار تهريب البشر مع اللاجئين العراقيين الاكراد أكثر من مما هو مع العراقيين العرب بسبب قدرة اللاجئين الأكراد على دفع الأموال بشكل أكبر .

ويقول ، ان " جماعات التهريب يتواصلون بشكل أكبر مع العراقيين الأكراد لأنهم يعرفون أن الأكراد لديهم المال ومتمكنين ماديا ويدفعون الأموال لتجار التهريب ، بعض الأكراد أعرفهم أعطوا مبالغ تتراوح بين 50 إلى 80 ألف دولار لتجار التهريب من أجل تهريبهم ".

وتابع " الأكراد في إقليم كردستان يقومون بالاتفاق مع المهربين وهم في داخل الإقليم وليس مثل العرب عندما يصلون إلى مينسك، وأحد الأشخاص الأكراد الذين اعرفهم لديه عائلة مكونة من 4 أشخاص قام بدفع 80 ألف دولار للمهرب ".

الانطلاق نحو من مينسك نحو الحدود مع ليتوانيا

في بيلاروس، يكشف محمد، عن اتصاله بشبكة لتهريب البشر عبر الحدود بعد حصوله على هاتف أحد عناصر الشبكة من أصدقاء هناك .

ويقول: " من خلال العلاقات بين العراقيين وفي فترة بقائي لأيام قليلة في بيلاروس، حصلت على رقم أحد المهربين، وبالفعل اتصلت به لكي يقوم بتهريبنا إلى ليتوانيا أو إلى بولندا، وقد سألني المهرب أنتم عرب أم كرد ؟ وقلت له من العرب وقد طلب لتهريبي وعائلتي 2500 دولار لكل فرد من العائلة مع العلم أن المهربين يأخذون من الأكراد مبالغ أكثر، وبسبب رفض المهرب تخفيض المبلغ ولأني لا امتلك مثل هذا المبلغ الكبير لأدفعه من أجل تهريب جميع إفراد عائلتي بحثت عن طريقة أخرى ".

وتابع " قمت بإضافة برنامج خاص على هاتفي للـ " جي بي أس" للاطلاع على معلومات للحدود بين بيلاروس وليتوانيا، وفي اليوم الثاني قررت مع عائلتي التوجه نحو الحدود وبالفعل قمنا بتأجير سيارتين للأجرة حيث عائلتي كبيرة ولا تكفيها سيارة واحدة وقد كلفني تأجير السيارتين تقريبا 150 دولارا وبالفعل قام السائقان بنقلنا إلى منطقة تبعد نحو 15 دقيقة عن الحدود بين بيلاروس وليتوانيا".

ويكمل " سلكنا أحد الشوارع الترابية بين الغابات وبعد فترة من السير على الأقدام لاحظت وجود لافتات لحدود بيلاروسي وأخرى لحدود ليتوانيا قريبة جدا إحداها على الأخرى وأيضا على مسافة قريبة من الموقع الذي نحن فيه كانت هناك سيارة للشرطة وبسرعة تم رصدنا من قبل عناصر الشرطة وتوجهوا صوبنا مع الكلب الذي بحوزتهم" ، وتابع " نحن بدورنا قمنا بالهروب بسرعة ودخلنا ضمن الغابة التي كانت ممتلئة بالأشجار وكانت مخيفة حقيقة، ولأسباب لا اعلمها صراحة لم يقم عناصر الشرطة بتعقبنا إلى داخل الغابة بسبب أوامر لديهم أو شيء آخر لا أعلم ".

الهروب عبر الغابات

ويصف محمد في حديثه لـ"سبوتنيك" رحلة اللجوء عبر الغابة بالصعبة والمخيفة جدا مع إمكانية التعرض للموت في أي لحظة .

ويقول: " في داخل الغابة كانت الأوضاع صعبة ومخيفة جدا ، فنحن معرضون للموت بأي لحظة وقد سرنا لفترة 5 ساعات تقريبا حتى عبرنا إلى داخل الحدود الليتوانية حيث أخبرت عائلتي ان الحل الأفضل الان ان نقوم بتسليم انفسنا بعد ان تعبنا كثيرا خاصة وان لدي أطفال صغار ضمن عائلتي وكنت خائفا كثيرا عليهم في الغابة ، وبالفعل قمنا بإظهار انفسنا لنقطة عسكرية كانت تابعة للجيش الليتواني ".

وأضاف " بعد أن تم مشاهدتنا من قبل أفراد الجيش الليتواني قاموا بالمجيء نحونا وأيضا كان بحوزتهم كلب ، وقد جلسنا نحن على الأرض وقمنا برفع أيدينا إلى الأعلى، وعند وصولهم الينا تحدث معهم ولدي الأكبر باللغة الإنكليزية حيث يتكلم هذه اللغة جيدا وأبلغهم عن السبب وراء مجيئنا إلى هنا ومحاولة الحصول على اللجوء في أوروبا، وبصراحة قام أفراد الجيش الليتواني بمنحنا الماء وكانت معاملتهم جيدة وقاموا بنقلنا إلى مركز احتجاز على الحدود وبقينا هناك حتى اليوم الثاني ".

وتابع أن " الأوضاع في هذا المركز كانت سيئة للغاية حيث لا يوجد شيء ننام عليه وقمنا بالنوم على الأرض ، يبدو ان الموقع لم يكن مخصصا للإيواء لكنهم اضطروا لحجزنا فيه لعدم وجود مكان مخصص لذلك "، لافتا إلى انه "في الصباح قاموا بأخذ مسحة لنا لوباء كورونا ، بعدها قاموا بنقلنا إلى مركز احتجاز اخر بعيد عن الموقع الأول وقاموا هناك بتسليمنا هواتفنا الشخصية وأيضا منحونا شرائح للاتصال وبالفعل قمنا بالاتصال بذوينا في العراق ".

الأوضاع في مراكز إيواء اللاجئين

ويكشف محمد أن الأوضاع في مركز الاحتجاز كانت سيئة ، لافتا إلى أن اغلب الموجودين هم من العراقيين مع أعداد قليلة للاجئين من جنسيات أخرى .

ويقول " في مركز الاحتجاز الجديد الذي كان عبارة عن مدرسة بقينا تقريبا 3 أشهر حيث دخلنا إليه تحديدا يوم 22 / 7 وكانت ظروفنا بصراحة صعبة ، فالطعام غير جيد ولا يوجد أي علاج للمريض وكان معنا في هذا المركز أكثر من 100 شخص تقريبا بين شباب وعوائل ، أغلبهم من العراقيين وبينهم نحو 6 أشخاص من أفغانستان وخمسة أشخاص من باكستان ".

وأضاف " بعد أن قضينا ما يقارب الـ3 أشهر في مركز الاحتجاز تم نقلنا قبل فترة إلى مركز اخر ضمن العاصمة الليتوانية وهو مبنى قديم كان مخصصا للمرضى الذين يعانون من حالات الإدمان حيث يتكون من غرف تقابل إحداها الأخرى وفي هذا المركز زادت الأعداد حيث يوجد حاليا نحو 160 إلى 180 شخصا ".

وعن الأوضاع في مركز الاحتجاز الجديد ، أوضح محمد " ظروفنا في هذا المركز أفضل نوعا ما من مركز الاحتجاز السابق ، حيث منحونا راتبا وأيضا من ناحية الطعام نقوم نحن بطبخ الطعام وهو بالتأكيد أفضل لنا وكذلك أعطونا ملابس وأحذية جديدة ولكن من ناحية العلاج وتوفير العناية الصحية بقيت نفس المعاناة كما لا يسمح لأي شخص في المركز بالخروج فهو بمثابة السجن حاليا ".

لا أمل بالحصول على اللجوء

وبنبرة حزينة يتحدث محمد عن شبه فقدان للأمل بالحصول على لجوء في ليتوانيا، سيما بعد ان تم رفض طلبه لثلاث مرات متتالية من قبل السلطات هناك .

ويقول " في أكثر من مرة خلال اليوم الواحد يأتي عناصر من القائمين على المركز الذي نحن فيه ويتحدثون معنا عن انهم لن يمنحونا اللجوء ويقولون لنا عودوا إلى بلدكم أفضل، مع عرض بتقديم مبلغ 300 يورو لكل شخص وحجز تذكرة طيران إلى العراق "، مؤكدا ان " أغلب الموجودين يرفضون هذا العرض ولا يرغبون بالعودة ".

وتابع ان " السلطات الليتوانية لم تمنحنا اللجوء ، وقد أجريت 3 مقابلات في مركز الاحتجاز لشرح قضيتي وإقناعهم بمنحي اللجوء مع عائلتي وجميعها قوبلت بالرفض ، حتى الأشخاص من المكون اليزيدي في العراق الذين تعرضوا للاضطهاد سابقا من تنظيم داعش الإرهابي ( المحظور في روسيا) في البلاد ووصلوا الى ليتوانيا ضمن نفس المركز لم يتم منحهم حق اللجوء ".

ويضيف " بالنسبة لي من المستحيل أن أعود إلى العراق مطلقا ، أنا معرض للموت هناك ولم أعد أملك أي شيء في العراق ، الآخرون ممن اعرفهم من اللاجئين قد يكون وضعهم أفضل وقد يفكرون بالعودة بعد فترة لا أعلم ، حسب معلوماتي وصل عدد اللاجئين العراقيين إلى نحو 4 آلاف وقد عاد نحو 500 شخص منهم تقريبا "، وأكد "عن نفسي أتحدث لن أعود وأبلغت عائلتي بذلك ، أنا وعائلتي لن نعود للعراق أبدا وسأختار الموت لو قرروا إعادتنا قسريا وبالقوة إلى العراق ، سأبقى هنا مع عائلتي وليحدث ما يحدث ".

التواصل مع الخارجية العراقية

وحول ما إذا كان هناك تواصل لللاجئين العراقيين في المركز الذي يتواجد فيه مع وزارة الخارجية العراقية ، يؤكد محمد عدم وجود أي نوع من التواصل مع خارجية بلاده .

ويقول: " أي تواصل مع الخارجية العراقية لا يوجد، ولم يأت أي ممثل عن الخارجية العراقية إلينا ليسألنا عن وضعنا وظروفنا ".

وأعلنت وزارة الخارجية العراقية، أمس، إيقاف جميع رحلاتها إلى بيلاروس، بالإضافة إلى إلغاء تصريح عمل القنصل الفخري لبيلاروس، في بغداد.

وقال المتحدث الرسمي للخارجية العراقية أحمد الصحاف، بحسب وكالة الأنباء العراقية، إن "الوزارة سحبت مؤقتاً رخصة عمل القنصل البيلاروسي الفخري في بغداد".

وأشار إلى أن "هذه الخطوة تأتي لحماية المواطنين العراقيين من شبكات تهريب البشر عبر بيلاروس وبولندا".

وأضاف أن "سفارة العراق في موسكو ووارسو تنسقان الجهود لعودة طوعية للعالقين على حدود بيلاروس بولندا".

وأمس الجمعة، أصدرت الخطوط الجوية البيلاروسية "طيران بيلافيا"، قرارا يفيد بأنه لن يتم قبول مواطني العراق وسوريا واليمن على الرحلات الجوية المتجهة من تركيا إلى بيلاروس.

ويتهم الاتحاد الأوروبي، بيلاروس بتشجع الآلاف من الفارين من المناطق التي مزقتها الحروب في العالم على محاولة عبور حدودها وإنه قد يفرض عقوبات جديدة على مينسك وشركات الطيران التي تنقل المهاجرين.